- إن شخصية علي كانت تفرض الاحترام، وتستقطب الأتباع من خلال ماضيه الإسلامي، ومن حيث استقامته، وعدم تبديله النظام الاجتماعي القائم.
الفئة الثانية: هم جماعة القراء الذين شكلوا قوة متماسكة، إنما ظلوا أقلية في الكوفة والبصرة، إنهم نواة الخوارج، وقد ركزوا على قناعاتهم الخاصة بدافع ماضي علي، وتعالي القرآن فوق كل سلطان بشري، وإدانة ما ابتدعه عثمان، والمطالبة بالتخلص منه، والعداء للمزاعم القرشية في الوصاية على الإسلام، وقد توافقت مصلحتهم مع مصلحة علي ضد الخصم المشترك، وبالتالي، فإن دعمهم له هو مصلحي بقدر ما كان على يشاطرهم آراءهم، وسوف يقاتلون من أجل فكرتهم عن العدل والعدالة، لكن الخلافات بين الطرفين سوف تغيب الآن بفعل قرب الخطر والمعركة المشتركة، وحضور علي، وبحركة قادتهم النشطة، وستنفجر بعد القتال في صفين1.
وتلقى علي مساعدة محدودة من قبائل البصرة، النصف تقريبًا، وذلك بسبب مواقفها السابقة من أحداث الفتنة المتمثلة في تأييدهم لسياسة عثمان، ومعارضتهم لقتله، ووقوفهم وراء أصحاب الجمل.
وساند المهاجرون والأنصار، وذوو الأصل البدوي المقيمون في المدينة، عليًا، سبعون من أهل بدر، وسبعمائة ممن بايع تحت الشجرة، وأربعمائة من سائر المهاجرين والأنصار2، إنهم نسبيًا قليلو العدد بالمقارنة مع الجماعتين الكبيرتين الكوفية والبصرية، ولكنهم كانوا مع ذلك يملكون قوة معنوية كبيرة بوصفهم كانوا صحابة، وأبناء الصحابة وأنصار رسول الله الذين ذكرهم الله في كتابه، والمعروف أنه جرى تهميشهم على أيدي الخلفاء الثلاثة السابقين، فرفعهم علي بعد أن بنى شرعيته على إجماعهم، وبفعل أنه أراد أن يمارس سياسة إسلامية بعيدة عن الشعور القبلي المحض3.
وهكذا نجح علي في تشكيل تجمع من المقاتلين إلى جانبه، ويعد هذا انتصارًا بحد ذاته، غير أن التشكيل جاء غير متجانس، وغير منسجم عقائديًا، وإقليميًا وقبليًا، إذ ضم عناصر متباينة في الولاء والمفاهيم والتوجهات، فهناك المهاجرون والأنصار، وأشراف القبائل وأهل القادسية، والأيام والروادف وجماعات القراء، وهي عناصر