دون وعي منهم لما خطط لهم، وخرج من معسكر علي رجل يرفع نسخة من القرآن، في خطوة تعد آخر تذكير رمزي بالوحدة، فقتل1، وتكتسب هذه الدعوة التي صدرت عن علي لتحكيم القرآن في هذا الصراع، أهمية بالغة تلقي بظلالها اللاحقة على الفتنة، وبخاصة أثناء معركة صفين2.
وواجهت القبائل المختلفة بعضها بعضًا في رحى معركة ضاربة، مضر البصرة واجهت مضر الكوفة، وربيعة البصرة واجهت ربيعة الكوفة، ويمن البصرة واجهت يمن الكوفة3، ووجدت القبائل نفسها في أتون معركة تدفع ثمنها من أرواح أبنائها.
ويبدو أن البصريين لم يتحملوا صدمة القتال، فتراجعوا، وجرح طلحة في ركبته بسهم رماه به مروان بن الحكم، فانسحب من ميدان المعركة ليموت في مكان ما من البصرة4، وشعر الزبير بالخذلان، فانسحب هو أيضًا وأراد الفرار، لكنه طورد وقتل في ظروف غامضة، وفي رواية أنه جرى اغتياله على يد عمرو بن جرموز التميمي في منطقة وادي السباع على قدر مرحلة من باب المربد بالبصرة5، وانتهت على هذا الشكل الجولة الأولى من المعركة قرابة الظهر6، لتبدأ الجولة الثانية والأكثر ضراوة، فقد أعاد البصريون تنظيم صفوفهم، وكروا على الكوفيين، وتركز القتال حول جمل عائشة الجالسة في هودج مدرع بالحديد، وقد أضحى هدف الكوفيين.
وكان ثمة عزيمة من الجانبين، فارتدى القتال رداء بالغ الحدة بحيث اضطرا إلى تغيير نظام صفوفهما، فانضم الجناحان إلى القلب، وكونا كتلة ضخمة، وأضحى هناك كتلتان كبيرتان تتواجهان حول الجمل الذي تكاثرت التضحيات حوله، وتدخلت عائشة، في تلك اللحظة، وهي تحض أهل الكوفة على وقف القتال "البقية البقية"7، وهو نداء ضد الإبادة، ودعتهم "أبنائي" وذكرتهم بأنها أمهم، وهذا دليل على أن المعركة بدأت تميل لغير صالحها، وعندما رأت أنهم عازمون على ضربها، دعت أهل البصرة لكي يلعنوا قتلة عثمان8، ثم راحت تشجع بصوتها الجهوري