وهو يستعد لمحاربة الجانب الآخر، وأن ما يرويه سيف عن اتفاق جاهز للانعقاد على حساب القتلة، وأن هؤلاء أفشلوه من خلال مؤامرة دبرها، وأوصى بها ابن سبأ، إنما هو بعيد الاحتمال1، وتصور روايات المصادر طلحة، والزبير وهما يتراجعان أمام المجابهة على أمل إيجاد حل ينقذ كل شيء، فخندقا في منطقة الزابوقة في البصرة، وهما يرددان "خرجنا للصلح"2، ويعلنان رفضهما الاحتكام للسلاح "إنا وهم مسلمون، وهذا أمر لم يكن قبل اليوم، فينزل فيه قرآن أو يكون فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة، إنما هو حدث"، وأضافا: "أمير بيننا وبين إخواننا، وهو أمر ملتبس"، "نحن نرجو الصلح إن أجابوا إليه وتموا، وإلا فإن آخر الدواء الكي"3.

رحب علي بالصلح الذي قبله طلحة والزبير، وأعلن عن تصميمه على إعادة الوحدة إلى المجتمع الإسلامي، وحذر من مخاطر القتال بين المسلمين، "بان لنا ولهم أن الإصلاح الكف عن هذا الأمر، فإن بايعونا فذلك، فإن أبوا وأبينا إلا القتال فصدع لا يلتئم"4، وقد دفعه ذلك إلى الارتحال حتى نزل بجوارهم5. ومن الواضح أن هذا كله ناتج عن إرادة واعية، ورؤية مستنيرة وورع وتقوى من كلا الجانبين.

أحداث الوقعة:

أثارت محاولات التفاهم والإصلاح غضب قيادات القوى التي شاركت في أحداث المدينة ومقتل عثمان، وعلى رأسها علباء بن الهيثم، وعدي بن حاتم وسالم بن ثعلبة العبسي وشريح بن أوفى بن ضبيعة، ومالك بن الحارث الأشتر النخعي وخالد بن ملجم من مصر، كان معهم في البصرة، وأبدى هؤلاء تخوفهم من إحلال الصلح بين المعسكرين، وتداولوا في أنجع السبل لإفشال ذلك، فاقترح الأشتر التخلص من علي وقتله، في حين أشار علباء إلى ضرورة التخلي عنه ليواجه معسكر التحالف دون مساندتهم، ودعاهم إلى الاعتزال حتى يظهر من يستحق دعمهم، وأبدى عدي استعداده لاحترام ما يقررونه، وأصر سالم على قتال القوم دفاعًا عن أنفسهم، وتقرر في النهاية دفع المعسكريين للاشتباك، وذلك بالاندساس بينهم وإثارة القتال6.

وكان الطرفان المتخاصمان قد عسكرا في الخزينة، إحدى ضواحي البصرة، فانسل هؤلاء النفر دون أن يشعر بهم أحد، وأثاروا القتال بينهما، واشتبك الجميع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015