في علي الأقرب إلى تحقيق طموحهم في هذا السبيل، لا سيما المشاركة الفعلية في السلطة التي حرموا منها في العهود السابقة، فيما كانت قريش تنتقض لاستعادة موقعها المميز الذي بدأ يتكرس منذ خلافة عثمان1، والمعروف أن عليًا عين رجالًا من الأنصار في بعض مراكز الولاة الأساسية في البصرة، والمدينة ومصر.
والواقع أن قريشًا، وعلى رأسها بنو أمية، التي أوصلت سابقًا عثمان للخلافة، شكلت القوة السياسية الفاعلة، وكان الجفاء واضحًا بينها وبين علي منذ وفاة عمر بن الخطاب، وقد حصرت على ألا يتسلم الخلافة بعد مقتل عثمان، لتوافق منهجه مع نهج عمر، إنها رؤية التاجر القرشي، فمصالح قريش كان قد عبر عنها بصورة أمثل في نهج عثمان لترتيب أوضاع المسلمين، وليس في نظام عمر أو علي، كان علي يدرك ذلك، لهذا كان يتوقع دائمًا معارضة قريش له في كل موقف يقفه، وفي كل قرار يتخذه، ويرى أن قريشًا تظلمه؛ لأنها تنكر فضله ومنزلته في تاريخ الإسلام2، والواضح أن في ذلك عود للصراع القديم بين بني هاشم، وبني أمية.
تقدم لنا روايات المصادر ما يكفي من المعلومات التي توضح هذه الرؤية الهامة في ترتيب القوى، وتوازنها داخل المجتمع الإسلامي في نهاية مرحلة صدر الإسلام، ففي الكتاب الذي أرسله إلى أخيه عقيل بن أبي طالب ردًا على رسالته التي أخبره فيها بخروج عائشة، وطلحة، والزبير قال له: "فإن قريشًا قد اجتمعت على حرب أخيك اجتماعها على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل اليوم، وجهلوا حقي، وجحدوا فضلي، ونصبوا لي الحرب، وجدوا في إطفاء نور الله، اللهم فاجز قريشًا عني بفعالها، فقد قطعت رحمي، وظاهرت علي، وسلبتني سلطان ابن عمي، وسلمت ذلك لمن لي في قرابتي، وحقي في الإسلام، وسابقتي التي لا يدعي مثلها مدع، إلا أن يدعي ما لا أعرف"3.
وخطب علي في أنصاره في ذي قار، عندما خرج لقتال أهل البصرة في موقعة الجمل، خطبة طويلة ذكر فيها، "ما لي ولقريش، والله لقد قاتلتهم كافرين، ولأقاتلنهم مفتونين، وإني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم، والله ما تزحم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم، فأدخلناهم في حيزنا"4.