توجه بعض الصحابة من المهاجرين، والأنصار نحو علي وخاطبوه قائلين: "إن هذا الرجل قد قتل، ولا بد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحدًا أحق بهذا الأمر منك، لا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم1. والواضح أن معالم شخصيته وحياته العامة جعلته، آنذاك، رجل الإسلام المهم.

والواقع أن الوضع كان استثنائيًا، إذ لا يمكن أن يكون منصب الخلافة شاغرًا،والمسلمون بلا راع، في تلك الظروف العصيبة والمضطربة التي كانوا يعيشونها، ويشير ذلك إلى خطورة الحالة، والقلق من انهاير كل شيء، ولا بد من تنصيب خليفة.

كان اسم علي يفرض نفسه، فهو الأكثر نشاطًا من خلال الأزمة، والذي بدا من خلال هذ الموقع المحاور الوحيد بعد انكفاء طلحة، والزبير واعتزال سعد بن أبي وقاص2، وهم الأربعة الذين بقوا من أهل الشورى، ومثلوا النخبة السياسة في المدينة، كما أنه لم يكن موضع اتهام، غير أن الأمور لم تجر على نحو مؤسساتي، وفقًا لآلية مجلس الشورى التي وضعها عمر، ولا برضى بعض كبار الصحابة وموافقتهم، إنما جاءت كخطوة شعبية دون استشارات، فقد قال جمهور المسلمين: "علي بن أبي طالب نحن راضون به"3.

والملاحظ أن الثائرين الذين كانوا يشكلون عامل ضغط، تراجعوا عن التدخل في هذه العملية معترفين بأن أهل المدينة، وحدهم هم الذين كانوا يمنحون الشرعية، ونجحوا في طي خلافاتهم من مشكلة المرشحين، وهو ما عبر عنه المصريون بقولهم: "أنتم أهل الشورى، وأنتم تعقدون الإمامة، وأمركم عابر على الأمة، فانظروا رجلًا تنصبونه، ونحن لكم تبع"4.

لم يكن علي في البداية راغبًا في تولي الخلافة، وخاطب الذين رشحوه قائلًا: "لا تفعلوا، فإني أكون وزيرًا خير من أن أكون أميرًا"5، عندئذ صعد أهل الأمصار من ضغطهم، فهددوا أهل المدينة بقتل هؤلاء الثلاثة، علي وطلحة والزبير، وناس كثير، مما دفع عامة الناس بمطالبة علي بقبول البيعة وخوفوه الفتنة، فوافق كارهًا خشية منه على الدين، والمسلمين من مزيد من التمزق، وهدف إلى وأد الفتنة وإعادة تجميع جسم الأمة المتناثر، وترميم النظام القائم للسلطة، وتعزيز التواصل بين القوى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015