كان مقتل عثمان العنيف تاريخيًا ومأساويًا، تاريخيًا؛ لأنه كان ضاغطًا على التاريخ السياسي طيلة قرنين أو ثلاثة، وتسبب بانشقاقات مذهبية عميقة من واقع انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة، وأطلق نزاعات بالغة الخطورة من حروب أهلية، وعنف فتاك داخل الأمة الإسلامية، ولم تلتئم الجراح حتى يومنا هذا.

وارتبطت بالمقتل مباشرة تلك المرحلة من سنوات الفتنة الخمس المتطابقة مع خلافة علي، ثم كان التطور البطيء للحدث، ويستند إلى علي، وليس إلى عثمان، أي سوف يدخل على الخط السياسي لاعبون جدد وراءهم خليفة تاريخية مثقلة بالاحتدام، بحيث أن مقتله لم يكن إلا ذريعة، ومع ذلك تدين الأسرة الأموية بقيامها إليه، ويسترعي الانتباه كل من علي وطلحة، والزبير وعائشة زوجة النبي ومعاوية، وفوق ذلك، شعرت الأمة الإسلامية كلها بأنها معنية بالصراعات، وكان الرهان هو السلطة، والمطامع والمطامح، والمحاسد ورغبة الانتقام، بغض النظر عن الوعي أو عدمه1.

وكانت المأساة حاضرة بدءًا من اللحظة التي قتل فيها خليفة المسلمين الذي واجه الموت وحيدًا، مرورًا بظروف دفنه عندما رفض الثائرون أن يدفن كأحد المسلمين، ولن يتم ذلك إلا عندما هددت إحدى بنات عمه، أم حبيبة زوجة النبي أم المؤمنين، بفضح ستر رسول الله وعرضه أمام الجميع، فجرى دفنه ليلًا وفي الخفاء كما ذكرنا.

وأثبتت الفتنة التي عصفت بالمسلمين، ومقتل عثمان، تضاربًا في المصالح بين بعض كبار الصحابة، والقيمين على الشئون العامة، وقد وصلت إلى مرحلة نزاعية تصادمية، وسببت انقسامًا حادًا بين المسلمين بعامة، وشكل دم عثمان الانطلاقة المباشرة، لذلك كانت خلافة علي، كما سنرى، مثقلة بظلال هذا الحدث الخطير، وبخاصة أن الذين قتلوا عثمان كانوا من أوائل المبايعين لعلي، وعلى هذا الأساس أضحى الموقف من خلافة علي مرتبطًا بشكل مباشر بتحديد الموقف من السؤال: هل قتل عثمان مظلومًا أم لا؟ واتخذت الإجابة على هذا السؤال أحد الأشكال التاريخية الملموسة، والمباشرة التي تم من خلالها التعبير عن قضايا الاختلاف، والصراع السياسي المرتبطة بطبيعة التطور التاريخي2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015