لمطالبهم، وانتهت المناقشات بوعد علني قطعه عثمان بالتخلي عن كافة التجاوزات، وهو اعتراف بالأخطاء السابقة، وكتب إلى المسلمين بعامة، وأهل الأمصار بخاصة كتابًا تضمن موافقته، وغادرت وفود الأمصار المدينة عائدة إلى أمصارها، وبدا وكأن الأزمة قد انتهت، وحافظت الأمة الإسلامية على وحدتها، ويعد هذا، إذا ما تحقق، نجاحًا بالغ الأهمية بالمقارنة مع حل أزمة بالغة الخطورة.
ويبدو أن العامل السياسي سرعان ما استرجع دوافعه من واقع التجاوزات التي ذكرت من جهة، والجو المشحون من جهة أخرى، وتبيين أن التفاهم، وتوبة عثمان، كان مرحليًا وآنيًا؛ لأن واقع القضايا المطروحة كان يدفع باتجاه الصدام المسلح، وسرعان ما حدثت الانتكاسة، فمن الممكن أن عثمان أبدى تصلبًا، أو أنه تأثر بتأليب حاشيته التي تسودها شخصية مروان بن الحكم، وشعر الثائرون من جانبهم بالتنكر لهم، ومن المحتمل أن تكون الفئات الحاقدة بين القادة المصريين قد أرادت التخلص من الخليفة، وأنها وجدت لذلك الأمر ذريعة من واقع رسالة عثمان المرسلة إلى والي مصر، بعد الاتفاق مباشرة، وقد تضمنت أمرًا خطبًا منه بمعاقبة قادة المجموعة المصرية إما بالجلد والتعذيب، وإما بالصلب والإعدام، وقد وقعت الرسالة في أيدي المصريين1، ويدل ذلك، إما على تبدل موقف عثمان، أو على تغيير في موقف حاشيته الأموية القوية والفاعلة، التي رأت في موقف الخليفة تنازلًا منه عن حقوق مكتسبة لها، وهو الأرجح، بدليل أن عثمان أقسم بأنه لم يكن يعلم شيئًا، لا عن الرسالة، ولا عن مضمونها2. وتظهر روايات أخرى ترتدد عثمان في تنفيذ وعوده، وتمسكه بقرار الدولة المستقل، وعزمه على عدم إفراغ السلطة من مضمونها3، وإن تطور الأمر حتى الصدام المسلح، ويبدو من ذلك أنه كان المسيطر الفعلي على قراراته، وأنه لم يكن ألعوبة في يد مروان بن الحكم4، لذلك فإن الروايات التي تتحدث عن الرسالة التي تأمر بتعذيب، وصلب قادة المعارضة في مصر، والتي يقال: إنه أرسلها إلى واليه على مصر تستوجب الرد.
والواقع أن الأمور كانت تسير بسرعة نحو الصدام المسلح، نلاحظ ذلك من عودة الثائرين، وتلاحمهم وائتلافهم ضد عثمان، على الرغم من نفيه، وإنكاره وإبداء رغبته في التهدئة.