ولما مات باذان عين النبي ابنه شهر واليًا على صنعاء وما والاها، كما عين ولاة من أهل اليمن، وآخرين من أصحابه على الأقاليم المختلفة، فكان عمرو بن حزم على نجران، وخالد بن سعيد بن العاص على ما بين نجران ورفع وزبيد1، وعامر بن شهر على همدان، وطاهر بن أبي هالة على عك والأشعريين، وأبو موسى الأشعري على مأرب، ويعلى بن أمية على الجند2، ومعاذ بن جبل معلمًا يتنقل في عمالة كل عامل باليمن، واستقر في الجند، كما عهد إليه بمهمة القضاء، وقبض جميع الصدقات.

ويبدو أن الوجود الإسلامي، وجمع الزكاة، واجها معارضة من قبل بعض زعماء القبائل، وأشارات الروايات إلى وجود تحرك معارض في منطقة حمير، وأن معاذًا قائلهم، وانتصر عليهم.

وفي الوقت الذي كان فيه العمال المسلمون ينظمون شئون ولاياتهم، ويجمعون الصدقات، جاءتهم كتب الأسود العنسي ينذرهم فيها أن يردوا ما بأيديهم، فهو أولى به "أيها المتوردون علينا أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم، فنحن أولى به، وأنتم ما أنتم عليه"3، وأعلن حركته الانفصالية، وكانت تلك أول ظاهرة لفتنته4، ومعنى هذا أن الحركات الانفصالية انطلقت من بلاد اليمن، وأن خروج الأسود العنسي يمثل الشرارة الأولى لتلك الحركات.

تتضمن محتويات كتب الأسود العنسي اتجاهين:

الأول: سياسي إقليمي "أيها المتوردون علينا"، فعد عمال النبي دخلاء على اليمن، مغتصبين لأرضهم، وكان معاذ بن جبل عامل النبي على اليمن قد نفذ سياسة تخدم السلطة المركزية التي كان النبي قد حدد قواعدها في المدينة، ويبدو أن هذه السياسة كانت تتعارض مع النزعات الاستقلالية التي تتحكم بأهل اليمن.

الثاني: اقتصادي "أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا"، ذلك أن النبي حدد السياسة الاقتصادية الإسلامية العامة في اليمن من خلال المباحثات التي أجراها مع رسل ملوك حمير، إذ على المسلمين أن يؤتوا الزكاة، ويعطوا خمس الله من المغانم، وسهم نبيه وصفيه5، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار6 عشر ما سقت العين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015