إلى ذلك أن حذيفة بن اليمان رأى أثناء الحملة على جرجان، وطبرستان أن المسلمين يتجادلون بحماس شديد حول طرق القراءة المختلفة، فكان يصل بهم الأمر إلى حد لعن بعضهم بعضًا، واتهام بعضهم بالكفر1، وربما أشار حذيفة على عثمان بوضع نسخة واحدة من القرآن خوفًا من نشوب فتنة، ولتعميق الشعور الإسلامي، واجتناب العودة إلى الشعر2، ويدل ذلك على جدية الاهتمام الإسلامي العام بالقرآن، والحماس الذي أبداه المسلمون تجاه، لذلك قرر جمع القرآن، وتثبيته على قراءة واحدة من القراءات السبع التي نزل بها، وهي حرف قريش، وذلك حرصًا منه على توحيد النص، والحفاظ عليه وجمع المسلمين على مصحف واحد وقراءة واحدة، وكلف زيدًا بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيدًا بن العاص، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام؛ القيام بهذه الخطوة3.

الواضح أن هذه القضية على أهيمتها لم تأخذ حيزًا واسعًا في روايات المصادر، إذ لم تتعد الإشارة إليها ببضعة أسطر، وربما يعود ذلك إلى أن هذه الروايات انتقدت الأسلوب الذي اتبعه عثمان للوصول إلى هدفه، وهي تحمل مواقف مسبقة ضد الخليفة تمشيًا مع النزعة الإقليمية للأمصار، والتي تمثلت باستقلالية كل مصر وانحيازه لقارئه، وأبرزت انتقادات بعض الصحابة لهذه الخطوة، وفي مقدمتهم عبدا لله بن مسعود الذي رفض تسليم مصحفه إلى عبد الله بن عامر، عامل عثمان على البصرة4، وعد هذه الخطوة بدعة، وخروجًا على سنة النبي وخليفتيه الأولين، ومحاولة لمحو الكتاب، ويبدو أنه لم يدرك، أو أنه لم يشأ أن يدرك هدف عثمان، فجرى تشويهه5، كما رأى أن زيدًا بن ثابت لم يكن بالشخص الكفؤ للمشاركة في ذلك، وأعرب عن اعتزازه بقراءته ومصحفه.

وكان أبو موسى الأشعري على هذا الضرب من الرأي، إذ عندما أعطى مصحفه إلى حذيفة بن اليمان، قال: "ما وجدتم في مصحفي هذا من زيادة، فلا تنقصوها، وما وجدتم من نقصان، فاكتبوه فيه"6.

ويبدو أن معارضة هذين الصحابيين سببها تثبيت القراءة على حرف واحد هو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015