بأنها متضررة من جراء سياسة كهذه على الصعيد المعنوي، نظرًا؛ لأن الوليد أدخل هؤلاء المهاجرين الجدد، والعبيد والفقراء إلى لائحة المستحقين من العطاء، على الرغم من أنه لم ينقص عطاءات الأسياد والزعماء، وقد شعرت هذه الطبقة بأنها لا تحظى بالمكانة التي كانت لها لدى الوالي في جهاز الدولة1.
ويشار إلى أن هناك أسبابًا اجتماعية أخرى كانت وراء عدم رضا الخاصة عن الوليد بن عقبة، وهي أن أشراف الكوفة كانوا يتنافسون في الضيافة، فجاء الوليد، واتخذ منزلًا ينزلون فيه2، وقد شكلت هذه الخطوة تحديًا للكوفيين، وخسارة اقتصادية كبرى، حيث ترتبط الضيافة بالميار، وهم الذين يأتون الكوفة ليشتروا الطعام -الميرة- ويبيعون ويربحون، مما يعني أن موضوع الضيافة كان يحمل في ضياته كسبًا ماديًا لمن يستقبلهم3.
وصل سعيد بن العاص إلى الكوفة المضطربة، وبعد دراسة الوضع الميداني، أرسل تقريرًا إلى الإدارة المركزية في المدينة يصف الجو السياسي، والاجتماعي العام وموقف الفئات الاجتماعية فيها: "إن أهل الكوفة قد اضطرب أمرهم، وغلب أهل الشرف منهم، والبيوتات والسابقة والقدمة، والغالب على تلك البلاد، روادف ردفت، وأعراب لحقت؛ حتى ما ينظر إلى ذي شرف، ولا بلاء من نازلتها ولا نابتتها"4.
الواضح أن المجتمع الكوفي كان يعيش، حين غادر الوليد مركز عمله، حالة مضطربة، ويخضع لضغط المهاجرين الجدد من الإعراب غير المندمجين في منظومة العطاء الذين سيطروا على مقدرات الأمور، وربما كانت سياسة الوليد وراء ذلك، وتراجع نفوذ الأشراف القبليين وأهل السابقة في القتال، وشكلوا أقلية عددية بالمقارنة مع الأعراب الوافدين.
كانت الكوفة تشكو من كثرة المهاجرين دون مراعاة وضعها الاجتماعي، بمعنى الهجرة غير المنضبطة، وحدت رد فعل من جانب أهل الأيام، والقادسية للعودة إلى سياسة عمر بن الخطاب، وتأكيد الهرمية وإعادة بناء الحجم الاجتماعي، وإبراز قيمة امتياز المبدأ الإسلامي بدلًا من الشرف القبلي، وأحاط القراء5 بالوالي، فقد جعل