وتحدث الطبري عن إعادة عثمان إلى بيت مال المسلمين مبلغ خمسة عشر ألف دينار كان قد وهبها إلى مروان بن الحكم، تلبية لمطالب الصحابة له باستعادتها1.
وفي عام "30هـ/ 651م" زوج عثمان ابنته من عبد الله بن خالد بن أسيد، وأمر له بستمائة ألف درهم، وكتب إلى عبد الله بن عامر أن يدفعهما إليه من بيت مال البصرة2، ويشير الطبري إلى أنه أعادها إلى بيت المال3، والحقيقة أن عثمان الذي اشتهر بالثراء، قسم ماله وأرضه في بني أمية4، وكان يمنح أقاربه هبات مالية إضافية من بيت مال المسلمين لقضاء حاجة طارئة، أو ضرورية، ثم يستردها، على الرغم من أن بعض رواة المصادر يسكتون عن عملية الاسترداد لإثارة الرأي العام ضده.
لم يركن عثمان إلى السكوت، بل دافع عن نفسه في وجه الانتقادات المالية التي وجهت إليه، واعترض صراحة بأن ما يمنحه لأقاربه من هبات هي من ماله الخاص، فقال: "إني أحب أهل بيتي وأعطيهم، فأما حبي فإنه لم يمل معهم على جور، بل أحمل الحقوق علهيم، وأما إعطاؤهم فإن ما أعطيهم من مالي، ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي، ولا لأحد من الناس"5.
ومهما يكن من أمر، فإنه لا بد من تقدير هذه الأحداث المتعلقة بخاصية التطورات التاريخية التي عاشتها الأمة الإسلامية في عهد عثمان، وتكمن أهميتها في أنها غيرت قاعدة السلوك المتبعة منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب، ففي حين كان ديوان الخليفة الثاني يقوم على مبدأ ثابت، وهو أن الفيء مال المسلمين لا يحق لأحد أن يتصرف به، نشأت في عهد عثمان مصطلحات فقهية جديدة من واقع رؤية هذه الخليفة لماهية، ووظيفة الخلافة، وربط بشكل طبيعي بين تحمل المسئولية السياسية، والقيادية للمسلمين، وبين حرية التصرف في بيت مال المسلمين، إنما ضمن حدود المصلحة العامة لتسيير شئون الحكم، وعلى أن لا ينفق مال المسملين في مصاريف خاصة، وقد أثارت هذه القضية مناقشات علنية بين الصحابة، من واقع تباطؤ بعض المدينين بإعادة الدين إلى بيت مال المسلمين، أو تعمدهم بعدم تسديد ما استلفوه.
ولعل لأبي ذر دورًا محوريًا في تلك المناقشات من خلال رؤيته لماهية المال العام. إذ عندما اجتمع بمعاوية في دمشق سأله: "ما يدعوك أن تسمي مال المسلمين