ذمتهم، وهذه الحقوق والواجبات تكمل بعضها البعض، وتشترط بعضها البعض، فإذا عجز المسلمون عن تنفيذ وعودهم، لم تعد الجزية حقًا لهم، وإذا امتنع السكان عن دفعها، أو نقضوا العهود وقاتلوا المسلمين مجددًا، سقطت عنهم الذمة، وأضحوا أهل حرب لا أهل صلح1.

أما كل ما تعدى هذه العلاقة، فقد تم النظر إليه على أنه يدخل في الشئون الداخلية للسكان لا علاقة للمسلمين به، وهذا يعني إقرار المسلمين للسكان المحليين بالإدارة الذاتية في المدن، والمقاطعات بما تحويه من دواوين، والإقرار بالاستقلالية الثقافية لهؤلاء، وبالتالي تركهم على أوضاعهم، وعاداتهم وثقافاتهم وأديانهم، وطبقاتهم دون التدخل فيها.

تذكر روايات المصادر أنه بعد توقيع صلح الإسكندرية تقدم أعيانها لعمرو بن العاص، وقالوا له: "نريد أن تولوا علينا رجلًا من أصحابك حتى يجمع المال الذي طلبت منا"، فكان جوابه: "إنا لا نعلم بأمور أصحابكم، ولا نعرف القادر منكم ولا الضعيف، فانظروا في أكابركم ممن تختارونه عليكم لجمع المال، فولوه عليكم، ويكون معه رجل من أصحابنا مساعدًا له على ذلك"2.

لقد تم فتح مدينة بعلبك بعد حصار وقتال، وقيل حاكم المدينة بعقد الصلح شرط ألا يدخل المسلمون إلى المدينة، وأن يبقوا خارجها، تأتيهم الجزية إليهم في وقتها المحدد، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل.

اتفق أبو عبيدة مع أعيان حلب أثناء عقد الصلح معهم، على أن تخلي المدينة نصف دورها3، وتعهدت الرها بموجب عقد الصلح مع عياض بن غنم بأن تقوم بصورة دورية بإصلاح الطرق والجسور4، ونصت الكثير من عقود الصلح على حق المسلمين المحتاجين بالنزول ضويفًا على السكان المحليين لمدة ثلاثة أيام، ولما فتح عمرو بن العاص برقة، صالح أهلها على الجزية التي بلغت قيمتها ثلاثة عشر ألف دينار، وسمح لهم أن يبيعوا من أبنائهم من أحبوا بيعه لقاء تأمين هذا المبلغ، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل، ومن بين عقود الصلح التي عقدها المسلمون مع أمراء الولايات الشرقية من بلاد فارس، كان العقد الذي أبرمه سويد بن مقرن مع حاكم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015