أن عمر وقفه على كافة المسلمين، وأقره في أيدي أربابه بخراج ضربه على رقاب الأرضين1.

نستنتج مما قدمنا أن مقولة الارتباط بين أشكال الفتح، وشروطه مقولة تاريخية، وهي منتشرة في كل المصادر، ثم تحولت بعد ذلك إلى مسألة فقهية بفعل تطور النظام الضريبي2، وقد ارتبطت عقود الصلح بعاملين:

الأول: حال الفتح؛ لأن المسلمين كانوا غرباء في بلاد شاسعة لها لغاتها، وأديانها وعاداتها، وكانوا أيضًا غير مستقرين يفتحون ليصالحوا، ثم يتابعون المسير للتوسع.

الثاني: الحالة الاجتماعية للفاتحين، وهذا يعني أن نموذج الصلح مع سكان البلاد المفتوحة كانت تفرضه عقلية الفاتحين أنفسهم، وأعرافهم، وعلاقاتهم فيما بينهم، أي أن الفتح كان الشكل الاجتماعي لحياة القبائل، وعيشها ورزقها، في هذه المرحلة3.

علاقة الفاتحين بسكان البلاد المفتوحة:

بعد القضاء على الإمبراطورية الفارسية، وإخراج البيزنطيين من بلاد الشام ومصر، انتهى عمليًا في هذه البلاد وجود مؤسسة الدولة، وأضحى الولاة المحليون، وأعيان المدن والمقاطعات هم الذين يمثلون الهيئات العامة، والتفاوض مع المسلمين، لهذا حافظت التقسيمات الإدارية لدولتي الفرس، والبيزنطيين على وجودها ووظيفتها سواء من الناحية الشخصية، حيث استقرت طبقة الحكام المحليين في عملها، أو من الناحية الإدارية حيث استمرت الدواوين في أداء وظائفها، وحددت طبيعة مرحلة الفتوح شكل العلاقة بين المسلمين الفاتحين، وأصحاب البلاد المحليين التي بقيت علاقة خارجية، وذلك بفعل تفرغ المسلمين للفتوح، والسكن في معسكرات خاصة، مما لا يسمح بالاندماج، والاختلاط اللذين يتطلبان استقرار الفاتحين، وارتبطت هذه العلاقة الخارجية بثلاثة أمور: الجزية والذمة، والاستقلال الإداري والثقافي4.

شكلت الجزية الأرضية الحقوقية للممارسة السيادة من خلال عقود الصلح، وهي عبارة عن جملة القيم المادية، العينية، والنقدية التي يتوجب على المغلوبين دفعها سنويًا إلى المسلمين الفاتحين، إنها علاقة عقدية بين طرفين لكل منهما حقوق وواجبات، ففي مقابل ضمان الأمان الشامل للسكان، وصونهم والدفاع عنهم تجاه أي عدوان خارجي، كانت الجزية المتوجبة على هؤلاء للمسلمين الذين أدخلوهم في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015