الشام حيث كانت معظم الفتوح سلمية؛ لا تميز روايات المصادر بشكل لافت بين عقود الصلح التي عقدها المسلمون في فارس، وبين عقودهم في بلاد الشام، فالقتال الشديد الذي جرى في نهاوند لم يمنع، بعد خسارة الفرس، من إلحاقهم بشروط الصلح للمدن المفتوحكة قبلها على الرغم من أن كثيرًا منها قد تم صلحًا، وبمبادرة من السكان1، وفتح همذان لم يختلف عن فتح نهاوند2، ولو تأملنا مليًا روايات المصادر الخاصة بفتح أذربيجان حيث المرزبان، ملك هذه البلاد، قاتل المسلمين قتالًا ضاربًا وعنيفًا، ثم صالحهم على الجزية3.
الواضح من استعراض روايات الطبري أن مسألة الفتح صلحًا، وعنوة تحولت إلى مسائل فقهية متنازع عليها، وأن المسلمين الفاتحين ساووا في المعاملة بين جميع الأمم والناس، حتى المجوس، أثناء الفتوح على الرغم من طرق مواجهتها، والمعروف أن مؤرخنا كان صاحب مدرسة فقهية، إلا أن مذهبه الفقهي لم يقدر له النجاح والاستمرار4.
لذلك نرى معظم رواياته تصب في هذا الاتجاه على الرغم من الإشارات لمسألة الفتح صلحًا، أو عنوة لدى وصفها لأحداث الفتوح، ففي مسألة السواد، يذكر الطبري أنه فتح عنوة، ولكن مع ذلك عومل أهل السواد كأصحاب عقد، وذمة مثلهم مثل غيرهم من الناس5، ولم ينكر إمكان الربط بين شكل الفتح وشروط الصلح، ولكنه كان يرى أن الصحابة لم يستخدموا هذه الإمكانية، وأنهم صالحوا كل الناس بذات الشروط، لهذا يؤكد تساوي الوضعية الحقوقية لجميع الناس، والأمم والبلدان في دار الإسلام6.
اعتمد المسلمون نموذجًا واحدًا لعقود الصلح، والأمان مع المدن، والقرى المفتوحة، فرضوه على الجميع بغض النظر عما إذا كان قد حدث قتال، وبغض النظر عن سهولته أو عنفه، وتشير روايات البلاذري أن بعض المدن في بلاد الشام مثل عرقة، وصيدا وبيروت وجبيل، فتحت بشكل يسير، وعقدت الصلح مع المسلمين بعد أن رأيت سرعة زحفهم وشدته، وانعدام المقاومة لوقفهم، ومع ذلك