إلى ذلك، فقد راعى المسلمون شكل الفتح لدى فرضهم للجزية على الناس حيث كانت جزية من صالح أقل من جزية من قاتل، لكنها تترك مجالًا واسعًا لعقود فتح خاصة، ثم من خلالها تعديل هذا القانون العام، أو حتى إلغائه في بعض الأحيان وفقًا للظروف الملموسة للفتح1.

فبعد تحطيم القوة الميدانية للجيوش المركزية الفارسية، والبيزنطية في المعارك الفاصلة كالقادسية واليرموك، غادرت الأجهزة الحكومية المركزية أماكن تواجدها في المدن والقرى المفتوحة، فبرز الأمراء المحليون ليملأوا الفراغ، وأضحوا الممثلين المباشرين أمام الفاتحين، وقد أخذوا على عاتقهم توقيع عقود الصلح التي تباينت أشكالها وفقًا لشكل الفتح، ففي حين عرضت بعض المدن، والقرى على المسلمين دفع الجزية مقابل الأمان، حاولت مدن وقرى أخرى مقاومة الفاتحين في بادئ الأمر، ثم ما لبثت أن بادرت إلى القبول بدفع الجزية مقابل وقف القتال بعد أن أدركت عدم جدوى الاستمرار فيه، وأقدم المسلمون أحيانًا على فرض عقود الصلح بغض النظر عما إذا كان قد جرى قتال أم لا، كما كان الحال في فتوح الجزيرة، إذ تضمنت عقود الصلح لهذه المنطقة الشروط نفسها على الرغم من أن روايات المصادر تشير إلى أن هذه القرية قد فتحت صلحًا، وتلك قد فتحت عنوة، فرأس العين مثلًا، قاومت المسلمين بشدة، لكن هؤلاء ألحقوها بعد أن استسلمت بغيرها من نواحي الجزيرة التي فتحت صلحًا، وبالشروط نفسها2.

ولا يخلو استعراض البلاذري لفتح مصر من هذا التداخل في شروط الفتح صلحًا، وعنوة من خلال وضعه لمسار الفتوح لمختلف أرجاء الديار المصرية، على الرغم من أن رواياته تشير إلى تشابه، وتطابق عقود الصلح التي عقدها المسلمون مع جميع المدن، والقرى المصرية3، وكذلك تشير روايات الطبري بأن أهل مصر كلهم دخلوا في صلح بابليون وقبلوا بمضمونه، والمعروف أن بعض القرى المصرية قاومت المسلمين وقاتلتهم، وأن حصن بابليون نفسه قد فتح عنوة في قسم منه، لكن المسلمين أجروا ما أخذه عنوه مجرى ما صالحوا عليه، فصار أهل مصر كلهم ذمة4.

وما حصل في بلاد فارس من المقاومة الشديدة بالمقارنة مع ما حصل في بلاد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015