فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم1.
الواضح أن عمر جهد كي لا تنشأ مراكز قوى في الأمصار تؤدي بدورها إلى إنشاء علاقة حكم، وسيادة بين الأمراء وعامة الناس، لهذا كان حريصًا على ألا يستغل الوالي وظيفته أو يستقل بها، وأن يبقى على صلة حقيقية مع أصحاب الشأن، أي مع جمهور المسلمين2.
انسجامًا مع هذه الرؤية للإدارة السياسية انتهج عمر نحو عماله اللامركزية السياسية، حارب من خلالها اتجاهات تركيز السلطة، والثورة في أيديهم، وحافظ على هذا النهج طوال حياته، وقد افتتح هذه السياسة بعزل خالد بن الوليد عن إمارة جيوش المسلمين في بلاد الشام، وتعيين أبي عبيدة بن الجراح مكانه كما ذكرنا سابقًا.
وتروي روايات المصادر أنه أثناء تأسيس الكوفة اقترح دهقان من أهل همذان على سعد بن أبي وقاص أن يبني له قصرًا على غرار قصر كسرى، وغلق بابه، وكثر حديث الناس عن قصر سعد، وبلغ ذلك عمر في المدينة، فأرسل محمدًا بن
مسلمة ليحرق باب القصر، وأرسل معه الكتاب التالي لسعد "بلغني أنك بنيت قصرًا اتخذته حصنًا، ويسمى قصر سعد، وجعلت بينك وبين الناس بابًا، فليس بقصرك، ولكنه قصر الخبال، انزل منزلًا مما يلي بيوت الأموال وأغلقه، ولا
تجعل على القصر بابًا تمنع الناس من دخوله، وتنفيهم به عن حقوقهم ليوافقوا مجلسك، ومخرجك من دارك إذا خرجت"3.