يستقيم حالها إلا برقابة الأمة عليها، لقد وصف مهمته في قوله: "إني حريص على ألا أدع حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض، فإذا عجز ذلك عنا تآسينا في عيشنا حتى نستوي في الكفاف، ولوددت أنكم علمتم من نفسي مثل الذي وقع فيها لكم، ولست معلمكم إلا بالعمل، وإني والله ما أنا بملك فأستعبدكم، وإنما أنا عبد الله عرض علي الأمانة، فإن أبيتها ورددتها عليكم، وأتبعتكم حتى تشبعوا في بيوتكم، وترووا سعدت، وإن أنا حملتها واستتبعتكم إلى بيتي شقيت، ففرحت قليلًا، وحزنت طويلًا، وبقيت لا أقال، ولا أرد فأستعتب"1.
انسجامًا مع هذا الموقف رفض عمر أن يتخذ حاجبًا؛ لأن الحجابة تقيم حاجزًا بينه وبين الناس فينفصل عنهم2، والواقع أن عمر لم يبتغ من الخلافة شيئًا لنفسه، بل كان يعد نفسه الحارس الأمين على مال المسلمين، وأرواحهم وحريتهم ووحدتهم، ويرى أن الخلافة أبوة تلقي على الخليفة، واجبات نحو المسلمين هي واجبات الأب نحو أبنائه، لذلك كان اشد الناس قربًا بالناس والتصاقًا بهم، خطب يومًا في الناس، فقال: "إني امرؤ مسلم وعبد ضعيف، إلا كما أعان الله عز وجل، ولن يغير الذي وليت من خلافتكم من خلقي شيئًا إن شاء الله، إنما العظمة لله عز وجل، وليس للعباد منها شيء، فلا يقولن أحد منكم: إن عمر تغير منذ ولي، أعقل الحق من نفسي وأتقدم، وأبين لكم أمري، فأيما رجل كانت له حاجة، أو ظلم مظلمة، أو عتب علينا في خلق، فليؤذني، فإنما أنا رجل منكم، فعليكم بتقوى الله في سركم وعلانتيكم، وحرماتكم وأعراضكم، وأعطوا الحق من أنفسكم، ولا يحمل بعضكم بعضًا على أن تحاكموا إلي، فإنه ليس بيني وبين أحد من الناس هوادة"3.
لعل أجلي تجسيد لهذه السياسة نجده في تعامل عمر مع عماله على الأمصار. قال يومًا مخاطبًا الناس: "إني والله ما أرسل إليكم عمالًا ليضربوا أبشاكرم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي، فوالذي نفس عمر بيده لأقصنه منه، فوثب عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين أرأيتك إن كان رجل من أمراء المسلمين على رعية، فأدب بعض رعيته، إنك لتقصه منه! قال: إي والذي نفس عمر بيده إذًا لأقصنه منه، وكيف لا أقصنه منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه! "4.
وكتب إلى أمراء الأجناد: "ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمروهم