النصارى في مصر، مما أدى إلى احتدام الجدل، والنزاع الديني بين كنيستي الإسكندرية والقسطنطينية، وقد بلغ أقصاه في منتصف القرن الخامس الميلادي حينما اختلفت الكنيستان حول طبيعة المسيح، فاعتقدت الكنيسة المصرية بأن للمسيح طبيعة إلهية واحدة -مونوفيزيت- وتبنت كنيسة القسطنطينية القول بثنائية الطبيعة المحددة في مجمع حلقدونية، ورأت أن في المسيح طبيعة بشرية وطبيعة إلهية، وهو المذهب الرسمي للإمبراطور البيزنطي، وقد عقد الإمبراطور مرقيان "450-457م" مجمعًا دينيًا في خلقدونية في عام 451م من أجل وضع حد لهذا النزاع، تقرر فيه تحديد العقيدة الدينية المتعلقة بطبيعتي المسيح، وأنكر المجتمعون نحلة المونوفيزيتيين، وكفروا من قال بأن للمسيح طبيعة واحدة، وعدوهم خارجين على الدين الصحيح، كما تقرر حرمان ديسقوروس بطريرك الإسكندرية من الكنيسة1.

والواضح أن ما أحرزته كنيسة القسطنطينية من انتصار على كنيسة الإسكندرية، إنما يدل على أن دعوى الكنيسة الأولى بأن لها الصدارة بين الكنائس الشرقية، ومساواتها بالكنيسة الغربية في رومة، قد أضحى واقعًا، واتخذت القضية في مصر شكلًا قوميًا، إذ لم يقبل ديسقوروس، ولا نصارى مصر ما أقره مجمع خلقدونية، وأطلقوا على أنفسهم اسم الأرثوذكس أي أتباع الديانة الصحيحة, عرفت الكنيسة النصرانية في مصر منذ ذلك الوقت باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وباسم الكنيسة اليعقوبية نسبة إلى يعقوب البرادعي أسقف الرها المونوفيزيتي الذي زار مصر في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي، ونظم كنيستها، أما أتباع كنيسة القسطنطينية، فقد عرفوا بعد الفتوح الإسلامية باسم الملكانيين لأتباعهم مذهب الإمبراطور2.

أضحى هذا النزاع بين الكنيستين مشكلة أقلقت المسئولين البيزنطيين، إذ إن المونوفيزيتية ليست إلا تعبيرًا عما كان بمصر، وبلاد الشام من ميول انفصالية، وكانت الأداة التي اتخذها النصارى في هذه الجهات لمناهضة الحكم البيزنطي3، فألغت كنيسة الإسكندرية استخدام اللغة اليونانية في طقوسها، وشعائرها واستخدمت بدلًا منها اللغة المصرية القبطية.

وما حدث من القلاقل الدينية في الإسكندرية، وبيت المقدس وأنطاكية، وتعرض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015