كان لهذه الانتصارات الإسلامية أثرها الإيجابي على الوضع العام للسكان، فأقبل مزيد من الفرس على اعتناق الإسلام دين الفاتحين الجدد، وأرسل سعد هاشمًا بن عتبة، ومعه الأشعث بن قيس إلى الشمال، فمر بالراذانات1، وأتى دقوقاء2، وخانيجار3، فغلب عليها، وفتح كورباجرمي، ثم نفذ إلى سن بارما4، والبوازيج5 حتى حدود شهرزور6.
وهكذا سيطر المسلمون على جنوبي العراق، ووسطه وتطلعوا لاستئناف التوسع باتجاه الشرق والشمال، وبخاصة أن القوة الميدانية للفرس قد انهارت، وأضحت كافة الطرق مفتوحة أمامهم للتوغل داخل الأراضي الفارسية بأمان، وهذه فرصة لا يجب أن يفوتها، وطلب سعد موافقة المدينة، لكن عمر رفض التقدم شرقًا، والتوغل في أرض مجهولة، والانسياج وراء الفرس خشية على جند المسلمين، وجعل سلسلة جبال فارس الحدود التي تفصل بين المسلمين والفرس7.
والواقع أن موقف عمر يدل على بعد نظر وتفكير سليم، إنه حرص على سلامة المسلمين، وفضلها على الأنفال، وبخاصة أنهم لم يكونوا قد أمنوا العراق، واطمأنوا إلى حياة الاستقرار فيه، فقد كان شماله لا يزال على الحرب، والوضع في الجنوب لا يزال غير مستقر، فليس من سداد الرأي في هذه الظروف، أن يندفع المسلمون إلى جبال إيران، ويتوغلوا شرقًا وراءهم جبهة غير صلبة، ومن الخير أن يتخذوا جبال إيران حدًا فاصلًا بينهم وبين الفرس، وأن يفرغوا من القضاء على حركات التمرد بالعراق، يضاف إلى ذلك، فقد تطلع عمر إلى ضم الجنس العربي، وصهره في بوتقة الإسلام، وفي وحدة يكون السلطان فيها للمدينة، ويكون بين المسلمين وبين الفرس، والروم من حسن الجوار ما يذهب عن العرب والمسلمين الروع8.