اختار عمر أبا عبيد بن مسعود الثقفي قائدًا للجيش؛ لأنه أول من لبى النداء، متجاوزًا المثنى الذيء أرسله إلى العراق على عجل لتهيئة الأجواء، واستنفار من حسن إسلامه من أهل الردة، وأوصاه بالحذر، والتيقظ واستشارة أصحاب النبي، وبعدم التسرع في الحرب1.
الوضع الداخلي في فارس:
ساد البلاد الفارسي آنذاك جو من الاضطراب بسبب الصراع على العرش، وتهاوى عدة ملوك في تسارع مستمر وفي مدة زمنية قياسية، ففقد الفرس بذلك فرصة استغلال الموقف الناجم عن مغادرة خالد العراق، ورحيل المثنى إلى المدينة لاستعادة الأراضي التي خسروها أمام المسلمين، وطرد هؤلاء من العراق2.
أثارت أحداث فارس بوران بنت كسرى أبرويز التي اعتلت العرش الفارسي بمساعدة القائم رستم حاكم خراسان، ثم رأت في شخصه القائد الذي ينقذ فارس من كبوتها، من التردي الداخلي، والتقهقر العسكري أمام المسلمين، فملكته وعينته على حرب فارس، وأطلقت يده في السلطة مدة عشر سنوات يكون الملك بعدها لآل كسرى، وأمرت ولاة المملكة وأعيانها بطاعته، فاستجابوا لها، وبذلك أنهى الفرس صراعاتهم، واتحدوا لمواجهة الزحف الإسلامي، واستردت المملكة قوتها السابقة3.
أقدم رستم على خطوة أولى وهي خلق وعي قومي فارسي في المدن، والقرى التي فتحها المسلمون، وإثارة سكانها ضد حكامهم الجدد، فأرسل العمال والنقباء إلى جميع مدن العراق ليثيروا الحمية الدينية والقومية، فاندلعت نتيجة ذلك، الثورة ضد المسلمين في جميع مدن الفرات، وفقد هؤلاء المناطق التي كانت بحوزتهم4.
وجهزت بوران جيشًا كبيرًا بقيادة نرسي ابن خالة كسرى، وجابان وهو أحد أثرياء العراق المعروفين، بعدائه الشديد للمسلمين، وسلك هذان القائدان طريقين مختلفين تحسبًا من أن ينقض عليهما المسلمون، فوصل نرسي إلى كسكر بين الفرات، ودجلة وعسكر فيها بناء لأوامر رستم، وتخطى جابان الفرات إلى الحيرة، ونزل في موقع متقدم، وفي النمارق بين الحيرة والقادسية، وطلب القائدان مزيدًا من القوات من المدائن تعزيزًا لصفوفهما5.