كان دافعًا آخر لأبي بكر على التصميم على اختيار عمر خلفًا له، أما القول بأن هذا الاختيار جاء ردًا على مساندته له في سقيفة بني ساعدة، فهو بعيد الاحتمال، بفعل أن أحدًا من الصحابة لم يحتج على اختيار عمر، يضاف إلى ذلك أن عمرًا كان لصيقًا بأبي بكر أثناء خلافته، وأتاحت له هذه الميزة أن يطلع على دقائق الأمور أثناء تسيير دفة الحكم، فاكتسب مزيدًا من الخبرة في الشأن العام، ربما حرم منها كثير من الصحابة، فإذا هو تسلم الحكم فهو أهل له.

وراح أبو بكر، بعد أن قرر اختيار عمر لخلافته، يستشير كبار الصحابة من أهل الحل، والعقد ليقف على توجهاتهم وآرائهم، فلم يجد معارضة لديهم، بل ثناء على هذا الاختيار، باستثناء ما ظهر من تردد عند بعضهم، مثل طلحة بن عبيد الله الذي خشي أن يفرق جماعة المسلمين بفعل غلظته وشدته، لكن سرعان ما تلاشى1، ثم عرض قراره على الأمة، وخاطب المسلمين في المسجد، فما تردد أحد، وقالوا جميعًا: "سمعنا وأطعنا"2.

والواقع أن أبا بكر لجأ إلى هذا الأسلوب مضطرًا، وعلق خلافة عمر على رضا الناس، كما أنه لم يستخلف أحدًا من أبنائه أو أقربائه، وأكد اجتهاده في هذا الاختيار بقوله: "فإن تروه عدل فيكم، فذلك ظني به، ورجائي فيه، وإن بدل وغير، فالخير أردت، ولا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"3، وبعد أن اطمأن إلى ضمان موافقة المسلمين، دعا عثمان بن عفان، وأملى عليه أمر الاستخلاف ليكتبه4.

وهكذا أضاف أبو بكر إلى معجم الفكر السياسي الإسلامي مصطلحًا جديدًا هو الاستخلاف أو العهد، وهو شكل من أشكال الترشيح، أو البيعة الخاصة، أو البيعة الصغرى، ولا بد من البيعة العامة، أو البيعة الكبرى بعد ذلك، وقد تحققت في المسجد.

ودعا أبو بكر عمر، فعهد إليه وأوصاه باستكمال الفتوح، وذكره بما يجب على ولي أمر المسلمين من تحري الحق، وبأن الله ذكر آية الرحمة مع آية العذاب ليكون العبد راهبًا، فلما فرغ من وصيته خرج عمر من عنده، وهو يفكر في هذا المر الذي ألقي على عاتقه، فود لو أن أبا بكر برئ من مرضه ليواجه موقفًا دقيقًا5.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015