كان عمر زاهدًا، فعندما أصاب أرضًا بخيبر، أتى النبي فقال: "أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه، فما تأمر به"، فأجابه النبي: "إن شئت حبست أصلها، وتصدقت به"، فتصدق عمر بها للفقراء، وذوي القربى وفي الرقاب، وفي سبيل الله والضيف.

نتيجة هذه الصفات التي اتصف بها عمر، كان موضع تقدير واحترام كل المسلمين، على الرغم مما كان فيه من غلظة وشدة، وكان عمر سندًا لأبي بكر، وقد ذكرنا في فصول سابقة مواقفه من بعض القضايا التي واجهت الخليفة الراشدي الأول.

بيعة عمر:

عندما مرض أبو بكر وشعر بدنو أجله، فكر في أمر خلافته، وخشي إن هو توفي، ولم يعهد بالخلافة إلى أحد، أن يتجدد الخلاف بين المسلمين، كما حدث في سقيفة بني ساعدة، ولئن اختلفوا هذه المرة، فيكون اختلافهم أشد خطرًا، وربما أدى إلى الفتنة، وقد تشمل كافة العرب، وذلك بفعل اتساع الدائرة، إذ لم يعد الأمر محصورًا بين المهاجرين والأنصار.

أما إذا استخلف وجمع كلمة المسلمين على من يستخلفه، فقد يتقي ما يخشى، ويكفل لسياسة الفتوح الاستمرارية والنجاح، فرأى ببعد نظره أن يحتاط لهذا الأمر تلافيًا للأخطار، وقد دفعته الظروف إلى العمل بأسلوب آخر يختلف عن الأسلوب الذي تولى بموجبه شئون الأمة من حيث الشكل، ويتفق معه من حيث الروح, وهكذا نتعرف على صورة جديدة من صور البيعة المؤسسة على الشورى، وعلى اجتهاد أبي بكر وبعد نظره.

وراح أبو بكر يستعرض سير أصحابه، ومواقفهم ليختار من بينهم رجلًا يكون شديدًا في غير عنف، ولينًا في غير ضعف، فوجد أن من توفرت فيه هذه الصفات من أصحابه أحد رجلين، عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، إلا أن الأول ربما يريد الأمر، فيرى في طريقه عقبة فيدور إليه، والثاني يرى الاستقامة لا يبالي بالعقبة تقوم بين يديه، فهو بهذا إلى الشدة أميل منه إلى اللين.

وأدرك بخبرته وتجربته أن عبء الخلافة الثقيل لا يستطيع أن يتحمله شخص آخر سوى عمر، ففضله على غيره بفعل مرونته السياسية، كما أن الصفات الأخرى التي اصطبغ بها، ومالت به إلى إيثار الخير العام على نفسه، وأهله وذويه، ثم إن هذا التفكير الذي انتهى إلى تطابق في المواقف من قضية الفتوح مع الخليفة الراشدي الأول،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015