الذين كانوا معه في العراق1، وكان عليه أن يتحرك بسرعة ليقطع المسافة بين الحيرة في العراق، وبصرى في بلاد الشام بأقل مما يمكن من الوقت، والمعروف أن المسافة بينهما لا تقل عن ستمائة ميل، واختار طريق عين التمر -قراقر2- سوى3 -أرك4 -تدمر- القريتين -الغوطة- بصرى، ويتميز هذا الطريق بأنه خال من قلاع الفرس، والبيزنطيين ومسالحهم، ويصل بسالكه إلى بصرى دون أن يتعرض لهجمات العدو، لكنه يمر بمفازة قاحلة طويلة تحتاج إلى مسيرة خمسة أيام بلياليها، لا ماء فيها ولا كلأ، وتنتشر عليها بعد "سوى" قبائل متحالفة مع البيزنطيين، وبعد اجتيازها مغامرة قد تكون مميتة إن لم ينتصر من يغامر فيها على سراب رمال الصحراء، وعلى عطشها، ولهيب شمسها خمسة أيام متتالية، إنه طريق خطر على الرغم من قصر مسافته.
خرج خالد من الحيرة في "8 صفر 13هـ/ 14 نيسان 634م"، وأرسل رسالة عامة إلى المسلمين في بلاد الشام يخبرهم بأمر الخليفة بنجدتهم، ورسالة خاصة إلى أبي عبيدة يخبره بأمر الخليفة تعيينه قائدًا عامًا لجيوش المسلمين في هذه البلاد5.
كان أبو عبيدة في الجابية حين أتاه عمرو بن الطفيل مبعوث خالد بالرسالتين، فقرأ على المسلمين الرسالة الأولى، واحتفظ لنفسه بالرسالة الثانية، وعلق عليها قائلًا: "بارك الله خليفة رسول الله فيما رأى، وحيا خالدًا بالسلام"6.
اجتاز خالد مع قواته المفازة بمعاونة الدليل رافع بن عميرة الطائي، فكان يسير في الليل مهتديًا بكوكب الصبح ويستريح في النهار، ولتأمين الماء للحملة، خصص خالد، بناء على اقتراح رافع، عددًا من الإبل السمان، فأعطشها أيامًا، ثم أوردها الماء حتى امتلأت أجوافها، ثم قطع مشافرها حتى لا تجتر، كما اصطحب كل جندي معه معدات المياه المنفردة، فكان كلما نزل مكانًا للراحة ينحر عشرًا من تلك الإبل، ثم