توضحت إذن الخطورة التاريخية لمسألة الخلافة على مصير الأمة الإسلامية السياسي بعد وفاة النبي، وكانت مفتوحة وموضع أخذ ورد، ومثار جدل بين قوى مختلفة، وتذكر المصادر أن الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة للتباحث فيمن يتولى الأمر بعد وفاة النبي، لكنها لم تذكر من الذي دعا إلى هذا الاجتماع، ولا كيف تمت الدعوة، وإنما روت حصول الاجتماع في السقيفة.
ويبدو أن الدعوة للاجتماع تمت على عجل دون إعلام المهاجرين، وكأن الهدف أخذهم على حين غرة، وخلق واقعة سياسية، أو أن بعض الأنصار تذاكروا في أمر من يخلف النبي خلال مرضه، وأنهم توقعوا وفاته، فلما حصلت الوفاة دعوا إلى هذا الاجتماع فاجتمعوا.
يقول الطبري: "إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: نولي هذا الأمر بعد محمد صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة"1، والراجح أن تغلب الخزرج على الأوس هو الذي دفع الخزرج إلى ترشيح رئيسهم سعد بن عبادة، والجدير بالذكر أن سيد الأوس سعد بن معاذ كان قد توفي قبل ذلك، ويبدو أن الأوس لم يكونوا راضين في قراره أنفسهم عن تولية سيد الخزرج، ولا ندري أكانوا جميعًا حاضرين في اجتماع السقيفة، أنهم كانوا يراقبون الموقف من بعيد، وينتظرون تطوراته.
والراجح أن الأنصار كانوا مدفوعين بعدة عوامل للاجتماع على عجل لعل أهمها:
- شعورهم بأنهم بحاجة ماسة إلى اختيار خليفة يتولى شئون المدينة، وأمر المسلمين، فمدينتهم مهددة بعد وفاة النبي من الإعراب، ورجال القبائل بوصفها العاصمة الإسلامية، كما أن كثيرًا من الإعراب، ومعظم رجال القبائل لم يؤمنوا، وإنما أسلموا بلسانهم خوفًا من قوة المسلمين المتنامية.
- إدراكهم بأنهم مهددون قبل غيرهم من أولئك؛ لأنهم كانوا السند لرسول الله، وهم الذين ناصروه، واستطاعوا مع المهاجرين أن يضعوا نواة الدولة الإسلامية الأولى، التي تمكنت من إخضاعهم، والسيطرة على ديارهم2.
- رأوا أنهم أصحاب المدينة، وأصحاب الغلبة والنفوذ فيها، وأنهم ما زالوا أصحاب الضرع والزرع، وأن الحكم حق لهم دون غيرهم، ويرغبون في التصرف