يا عصبة الإسلام نوحي واندبي ... حزنًا على ما تم للمستعصم
دست الوزارة كان قبل زمانه ... لابن الفرات فصار لابن العلقمي
وكان آخر خطبة خطبت ببغداد، قال الخطيب في أولها: الحمد لله الذي هدم بالموت مشيد الأعمار، وحكم بالفناء على أهل هذه الدار، هذا والسيف قائم بها، ولتقي الدين بن أبي السير قصيدة مشهورة في بغداد، وهي هذه:
لسائل الدمع عن بغداد أخبار ... فما وقوفك والأحباب قد ساروا
يا زائرين إلى الزوراء لا تغدو ... فما بذاك الحمى والدار ديار
تاج الخلافة والربع الذي شرفت ... بها المعالم قد عفاه إقفار
أحضى لعصف البلى في ربعه أثر ... وللدموع على الآثار آثار
يا نار قلبي من نار لحرب وغى ... شبت عليه ووافى الربع إعصار
علا الصليب على أعلى منابرها ... وقام بالأمر من يحويه زنار
وكم حريم سبته الترك غاصبة ... وكان من دون ذاك الستر أستار
وكم بدور على البدرية انخسفت ... ولم يعد لبدور منه أبدار؟
وكم ذخائر أضحت وهي شائعة ... من النهاب وقد حازته كفار
وكم حدود أقيمت من سيوفهم ... على الرقاب وحطت فيه أوزار
ناديت والسبي مهتوك تجر بهم ... إلى السفاح من الأعداء دعار
ولما فرغ هولاكو من قتل الخليفة وأهل بغداد، وأقام على العراق نوابه، وكان ابن العلقمي حسن لهم أن يقيموا خليفة علويًّا، فلم يوافقوه واطرحوه وصار معهم في صورة بعض الغلمان ومات كمدًا لا رحمه الله ولا عفا عنه.
ثم أرسل هلاكو إلى الناصر صاحب دمشق كتابًا صورته: يعلم السلطان الملك الناصر طال بقاؤه أنه لما توجهنا إلى العراق وخرج إلينا جنودهم، فقتلناهم بسيف الله، ثم خرج إلينا رؤساء البلد ومقدموها، فكان قصارى كلامهم سببًا لهلاك نفوس تستحق الإهلاك، وأما ما كان من صاحب البلدة فإنه خرج إلى خدمتنا، ودخل تحت عبوديتنا، فسألناه عن أشياء كذبنا فيها، فاستحق الإعدام، وكان كذبه ظاهرًا، ووجدوا ما عملوا حاضرًا، أجب ملك البسيطة ولا تقولن: قلاعي المانعات، ورجالي المقاتلات، وقد بلغنا أن شذرة من العسكر التجأت إليك هاربة، وإلى جانبك لائذة:
أين المفر ولا مفر لهارب ... ولنا البسيطان الثرى والماء
فساعة وقوفك على كتابنا تجعل قلاع الشام سماءها أرضًا، وطولها عرضًا، والسلام.
ثم أرسل له كتابًا ثانيًا يقول فيه: خدمة ملك ناصر طال عمره أما بعد: فإنا فتحنا بغداد، واستأصلنا ملكها وملكها، وكان قد ظن -وقد فتن الأموال، ولم ينافس في الرجال- أن