موصودة، ان هو رضي بالبقاء في المنطقة مكتفيا بما حفظه في طفولته من قرآن.
لكن الى أين يذهب وكيف؟
كانت عين عمه الاكبر، أحمد، لا تغفو، كانوا يسمونه الذئب. ومع ذلك فقد عزم الفتى مبارك على ان يغادر ارضه. وكان قد خبر يقظة عمه اكثر من مرة. هل تحدثه نفسه بأن يقطف تينة بعد ان يكون قد تأكد من خلو المكان؟
انه لا يشعر الا وقد هوت على يديه عصا عمه وكأنه طلع من غار او نزل من سماء.
لذلك اعد خطة محكمة للفرار لن يتفطن لها عمه. قرر ان يكون ذلك يوم شتاء ليس مثل كل الايام. وصادف ان تساقط الثلج بكثرة. ولم نلبث ان تراكمت الثلوج بصورة تردع الحيوان والانسان ان يغامر بأنفه خارج وكره أو كوخه. لم يخطر على بال العم الاكبر مهما تخيل من حيل ان يتوقع فرار ابن اخيه في مثل ذلك اليوم.
"ان الثلج يصل الى الركبة " تلك كانت عبارة الشيخ مبارك في وصف يوم الفرار من دواره ووصاية عمه. روى لي القصة في الاسبوع الاول من نوفمبر 1942. أذكر ذلك جيدا. كنت معه بمدرسة التربية والتعليم في قسنطينة حيث قضينا ليلة في طريقنا من ميلة الى خنشلة. فقد كان على أبي ان يذهب الى هناك ليعود بوالدتي التي كانت في زيارة الى شقيقتها. وكان قد استصحبها هناك قبل نحو اسبوعين مع اخوتي وتركني في ميلة وحدي حتى لا انقطع عن دراستي، ثم عاد هو بعد ثلاثة ايام. وعندما قرر ان يذهب ليعود بأمي واخوتي اليه ان يصحبني، فتغيب بيومين أو ثلاثة عن الدراسة لا يضر. قضينا الليلة الاولى في قسنطينة، لانه كان علينا ان نأخذ الحافلة الى خنشلة باكرا من صباح الغد.
خلال تلك السهرة راح يحكي لي قصة فراره، وقد رسخت القصة في ذهني لانها اقترنت لدى بشعور الاعتزاز ان اصبح والدي يأتمنني على اسرار حياته.