الى أية قاعدة؛ أليس هو الذي يعين عادة، وخاصة بعد 1902 قاضيا في المحاكم القمعية التي تنصبها الادارة الفرنسية ضد "الاهالي"؛ أليس هو الذي يفترض فيه ان يمثل منطقته في البلدية دون أن يحتاج الى تزكية الناخبين؛ فهو يملك كل السلطة على شعبه، دون ان يملك هؤلاء اية صلاحيات للاقتراع عليه ومحاسبته.
ولاحاجة الى التذكير بأن الشروط التي تطلبها الادارة توفرها في القائد، لا تتصل من قريب ولا من بعيد بالكفاءة الفنية والمستوى الثقافي والتأهيل المعني.
وإذا كان معروفا ان "ماهية" القائد محدودة، مثل سلطاته الرسمية نظريا، فقد كان معروفا ايضا انه يستطيع بوسائل عديدة ان يبني ثروة في آجال قصيرة، لانه كان يعرف كيف ينتزع المال من الناس ويسطو على ما يملكون دون ان يملك هؤلاء حق الشكوى والتظلم.
على ان هذه "الخصائص" السلبية التي تختص بها البلدية المختلطة هي نفسها التي ادت عمليا، ودون ان تقصد لذلك الادارة الفرنسية، الى استمرار الهوة سحيقة بين الشعب وممثلي الاحتلال.
فممثلو الادارة الفرنسية لم يكن يهمهم ان ينفذوا الى الشعب ويكسبوا وده، طالما كانوا مدينين بوجودهم وثرواتهم وجاههم لغيره. وكان من جراء ذلك ان تطور الشعب، وخاصة بالارياف، في ظل العداء للادارة الاستعمارية. أليست هي التي انتزعت منه الاراضي الخصبة واضطرته الى ان يلجأ الي المناطق القاحلة والاراضي الجدباء؟
كان عمره، عندما توفي ابوه، اربع سنوات. فنزله جده منزله حتى لا يحرم من الميراث. ويا له من ميراث. شجيرات زيتون محدودة العدد، منبته في نحو من اربع هكتارات، ينبت فيها شيء من العناب والتين، ويمكن زراعتها بالشعير.
في مثل هذا المحيط، لا يحتاج المرء الى اعمال الخيال كثيرا كي يستنتج ان الافاق امامه مسدودة، وان كل الابواب في وجهه