وتسعمائة وألف.
14 - على الرغم من انعقاد المؤتمر الأول للحزب وانتخاب اللجنة المركزية والمكتب السياسي، والمصادقة على القانون الأساسي والداخلي، وعلى كثير من المقررات واللوائح القيمة: وعلى الرغم كذلك، من إيجاد برنامج عمل دقيق وواسع، وتسليط كثير من الأضواء على بعض المفاهيم الغامضة، ومحاولة وضع سلّم إجمالي لتوضيح العلاقات بين مختلف هيئات الدولة وأجهزتها، رغم كل ذلك فإن الوضع لم يتغير، إطلاقاً، بل إن انفضاض المؤتمر كان منطلقاً جديداً لمزيد من التناقضات والمشاكل الوطنية التي ترجع في أساسها إلى مجموعة من الأسباب التي يمكن تلخيصها كالآتي:
أ-إن التشكيلة البشرية للهيئات المنبثقة عن المؤتمر لم تكن قادرة على التغيير، فكرياً خاصة، عن مطامح الجماهير الشعبية، بالإضافة إلى كونها، رغم كل ماوقع، لم تتخلص من تناقضات الماضي وسلبياته التي كانت من الأسباب الرئيسية التي فجرت الأزمة السياسية التي عرفتها البلاد بعد الاستقلال مباشرة.
فالتشكيلة على هذا الأساس، تحملت مسؤولية قيادة الثورة قبل أن تتمكن من حلّ مشاكلها الخاصة، التي لها صلة متينة بالقضايا الوطنية، وزيادة على هذا الداء العضال فإن الأمين العام للحزب كان ضعيفاً جداً أمام جاذبية الزعامة والحكم الفردي، لأجل ذلك، وبمجرد أن تم تنصيب الهيئات المنتخبة، راح يدير المبادئ ويتعسف في تصرفاته مع المؤسسات والإطارات، فاتحاً المجال من جديد لأشباح الخوف وعدم
الاستقرار ومستحوذاً على صلاحيات الحزب والدولة من القاعدة إلى القمة، الأمر الذي انتهى، بدون إطالة ومن جديد إلى تكريس سياسة الارتجال في جميع الميادين، وإلى تمييع نتائج المؤتمر وإيجاد كافة المبررات للتغيير بجميع الوسائل.
ب-إن المعارضة، رغم مشاركتها فعلياً في المؤتمر، ورغم كل ماقامت به من مناورات على جميع الأصعدة، وعندما لم تحرز على ما كانت تتأمله من مكاسب في جميع الميادين، وعوضاً عن أن تخضع لمبدأ المركزية الديمقراطية الذي يخضع الأقلية لرأي الأغلبية، فتتخلى عن النزاع لتناضل داخل الأطر الشرعية التي حدّدها المؤتمر، بدلاً من كل ذلك، فإنها لم تلق السلاح وستظل المعارك المتقطعة تهدّد بنشوب الحرب