اجتمعوا "في مكان ما" (?) وقرروا عدم الاعتراف بقرارات مؤتمر وادي الصومام لأنهم لم يشاركوا في وضعها، وأجمعوا على ضرورة إبعاد موقدي المؤتمر باعتبار أن وجودهم في تونس يشكل مصدراً للقلاقل ويتسبب في تعطيل عملية التسليح (?).
وعلى الرغم من أن السيد فتحي الديب قد نشر ضمن ملحقات كتابه وثيقة تحمل توقيعات عدد من مسؤولي جيش التحرير الوطني في أقصى شرق الجزائر لتدعيم زعمه وإعطائه نوعاً من المصداقية، إلا أن فحص الوثيقة المذكورة يبين بوضوح تام أن هناك خلطاً كبيراً في المصطلحات ترتب عليه ذلك الغموض الذي استند عليه الكاتب لإصدار حكمه. فمحضر الاجتماع المنعقد، فعلاً، بتاريخ الخامس عشر من شهر ديسمبر سنة ست وخمسين وتسعمائة وألف يذكر أن الموقعين عليه قرروا، بادئ ذي بدء، عدم الاعتراف بقرارات وادي الصومام لكن المحضر لم يذكر أن الجهات التي يمثلونها لا يمكن أن تكون مناطق لأنها في مجملها تابعة لمنطقتين اثنتين هما: الشمال القسنطيني والأوراس.
وعندما يرجع الدارس إلى شخصية الموقعين على الوثيقة، فإنه يتأكد من أنهم لم يكونوا مؤهلين لتقييم نتائج المؤتمر خارج هياكلهم النظامية، ولقد كان عليهم إبداء كل آرائهم في إطار اجتماعات الولاية (?) التي ينتمون إليها. أما خارج ذاك، فإنهم إنما يكونون قد شقوا عصى الطاعة ويطبق عليهم النظام الداخلي لجيش التحرير الوطني.
وحينما يطرح الدارس كل هذه التعليقات النظرية جانباً، ويعود إلى ميدان، يجد، بكل موضوعية، أن مؤتمر وادي الصومام أثرى بالفعل أيديولوجية جبهة التحرير الوطني، وزود الثورة بالأدوات التي كانت تنقصها لمواصلة المسيرة ولتوفير أسباب استمرارية الكفاح المسلح والنضال السياسي من أجل استرجاع الاستقلال الوطني.
ويتمثل الإثراء خاصة في إعطاء جبهة التحرير الوطني نفسها مفهوماً آخر إذا لم تبق ذلك التنظيم الذي يعمل على لم شمل نزعات سياسية مختلفة نتجت