لبعض تلاميذه من غلبة الحال والوجد عليه حتى أنه كان يقول لتلميذه (محمد بن سليمان) (يا ولدي، هذا عذاب عذبني الله به). وأخبر عنه أنه كان ذات يوم في رفقته فأنشده أبياتا لعبد القادر الجيلاني منها:
رأيت ربي بعين قلبي ... فقلت لاشك أنت أنت
فتواجد الشيخ اللالتي كثيرا. ولما أنشده قول الجيلاني أيضا:
فمن بالعفو يا إلهي ... وليس أرجو سواك أنت
سكن الشيخ وبرد وانطفأ عشقه وقال: ألا ما أحسن هذا الكلام! (?).
وبعد حوالي قرن فصل الورثلاني في هذه القضية. فهو كرجل من أهل التصوف أباح استعمال الموسيقى والإنشاد لأهل التصوف ومنعه على غيرهم لأنه يؤدي، في نظره، إلى الاختلاط والفساد. وفي رحلته أمثلة عديدة على وصفه الفجور في البلدان التي زارها في الجزائر، فالغناء في نظره دواء لأهل العشق الصوفي ولكنه وسيلة من وسائل الشيطان لغيرهم، وفي حديثه عن نساء ورجال إحدى القرى التي زارها قال إنهم كانوا يجتمعون (عند الرقص والبكاء والتباكي والصياح وذكر الشوق من غير اشتياق والعشق من غير عشق والحب كذلك وغيرها من الزهد). أما المباح في نظره فهو أن يكون (مع أهله بشروطه الخالية من المحرمات. ومع ذلك انه دواء للمرضى من أهل الوله) (?)، وهو يعني (بأهله) أصحاب الحضرة الصوفية.
وهناك من العلماء (غير المتصوفة) من كان يتذوق الموسيقى في ذاتها ويحلو له الإنشاد، فقد روي عن عبد الواحد الونشريسي (وهو ابن أحمد الونشريسي) أنه كانت له أزجال وموشحات وكان (رقيق الطبع يهتز عند سماع الألحان وآلات الطرب لاعتدال مزاجه وقوام طبعه) (?)، وقد كان عبد الواحد الونشريسي من كبار العلماء في وقته ولم يكن من رجال الصوفية. وأخبر ابن