أيضا للوصول إلى نفس الغرض. وإذا نظرنا إلى النماذج التي ساقها فإننا نحكم بأن صيحته كانت قد جاءت في وقتها. فقد كثر أدعياء الولاية والدجالون والمشعوذون حتى غطى البلاء السهل والوعر. ولا حاجة هنا إلى العودة إلى ذكر النماذج التي جاء بها. وقد كنا سقنا أيضا تعريفه للمتصوف الحقيقي في مقابلة المتصوف الدجال الذي كان ينتقده، وهو تعريف فيه ثورة صارخة ضد البدع والخرافات، وفيه دعوة واضحة إلى التصوف السلفي القائم على العلم والعمل معا. ويجد المرء في عدة أماكن من (منشور الهداية) نداء إلى ضرورة استخدام العقل والعمل بالاجتهاد. ومع ذلك لا يمكن أن يوصف الفكون بأنه كان متساهلا في تصوفه. فقد حكم عليه معاصروه أيضا بأنه كان محافظا وأن له مقاييس ثابتة في التصوف الإسلامي السلفي. وكان يرى أن التصوف قد تدهور تدريجيا. فجيل القرن العاشر (16 م) كان أفضل في تصوفه من جيل القرن الحادي عشر وهكذا. وقد وصفه زميله أحمد المقري بأنه كان (مائل إلى التصوف، ونعم ما فعل!) (?). ووصفه العياشي بأنه كان منزويا شديد الانزواء والانقباض عن الخلق ومجانبا علوم أهل الرسوم. وكان لا ينفك عن التوجه إلى الحرمين الشريفين رغم كبر سنه (?).
...
وهكذا يتضح أن الجزائر خلال العهد العثماني كانت غنية بالمرابطين والطرق الصوفية. ولكن مرابطيها قد ابتعدوا شيئا فشيئا عن العلم والعمل به واقتربوا في أغلبهم من التدجيل والخرافة. ولم تكن لديهم فلسفة في التوحيد ولا عقيدة واضحة في الدين. وكل ما كانوا يفعلونه هو بناء الزوايا وادعاء الكرامات وإعطاء العهود والأوراد وتلقين الأذكار وجمع المال والهدايا من