وهذه الأعمال تدل على سعة علم الأنصاري وغزارة مادته، كما يدل تأليفه في الخطب على اهتمامه بعلم البيان والفصاحة. وقد عرف الأنصاري بذلك أيضا. وقد قيل إنه مر على كتاب الكشاف للزمخشري ثلاثين مرة بين مطالعة وقراءة، ويبدو، عند المقارنة أن الأنصاري كان أكثر تحررا في أفكاره من زميله سعيد قدورة، ولعله كان أكثر منه فصاحة وبيانا أيضا، وهذا ما جعل الطلاب يقبلون على درسه والاستفادة منه.
كان سعيد المقري مدرسا بالجامع الكبير بتلمسان التي قلنا إنها فقدت خلال العهد العثماني نشاطها السياسي والثقافي الذي كان لها خلال العهد الزياني. فكانت على عهد سعيد المقري مدينة مهزومة سياسيا وضحلة ثقافيا، ولذلك هاجر عدد من علمائها إلى المشرق والمغرب، وظلت هي تهزها الفتن الداخلية، ولا سيما صراع الحضر فيها ضد السلطة العثمانية (?). فإذا وجدنا عالما من أسرة تلمسانية عريقة، مثل أسرة المقري، يظل مفتيا ومدرسا في تلمسان على ذلك العهد أكثر من خمسة وأربعين سنة، فإن هذا العالم يعتبر بحق من النوادر.
ولد سعيد المقري حوالي سنة 928 (?)، أي عشية سقوط الحكم الزياني وبداية الحكم العثماني في تلمسان، وقد فتح عينيه فوجد المدينة التاريخية قد نضب معينها العلمي ورحل معظم علمائها إلى فاس وغيرها فلم يقنع هو أيضا ببقايا العلم هناك واتجه إلى فاس ليكترع من مناهلها كما فعل بعض أجداده