الذين كانوا يعيشون على تراث عريق ولهم مكتبات ومدارس، ومع ذلك ليس لهم أدب راق ولا شعر.

فإذا التفتنا نحو الغرب وجدنا مجموعة أخرى من (العلماء) مرتكزة حول وهران التي أصبحت العاصمة الجديدة للإقليم بعد معسكر، منذ 1791. وكانت مازونة والقيطنة وتلمسان روافد لمدرسة وهران هذه. ولكن الإشعاع كان محدودا. فبالإضافة إلى بعض الكتاب (الخوجات) الإداريين نجد أيضا في المدارس والزوايا والمساجد أعيانا من المتصوفة والعلماء أمثال الحاج محيي الدين (والد الأمير) وأحمد بن التهامي، وعبد الله سقط، وعبد الله المجاوي، ومحمد بن سعد. وقد اشتهر بعض هؤلاء بالنحو والبراعة في التدريس. ولكن آثارهم الأدبية مفقودة عندنا. وقد بعثرهم الاحتلال بسرعة فهاجر بعضهم إلى المغرب، ودخل بعضهم صفوف المقاومة واختلط عندهم حبر الأقلام بدم الأبطال.

وفي المناطق الأخرى من الوطن لا نكاد نميز أديبا ذاع صيته وترك أثره. فالمدية رغم أنها كانت قاعدة باي التيطري، لم يحفظ لنا التاريخ اسم أديب فيها على ذلك العهد، سواء أكان كاتبا إداريا أو حرا. وكانت جاذبية المدية نحو العاصمة والبليدة. ورغم انتشار الطرق الصوفية في مختلف المدن والقرى فإن التعليم الذي يكون الأدباء كان محدودا ومقصورا على بعض العواصم والمراكز. فلا بجاية ولا ميزاب ولا بسكرة قد قدمت أديبا معروفا. غداة الاحتلال. ولا شك أن الثقافة الشعبية كان لها أدباؤها، ولكن ذلك ليس هو موضوع حديثنا الآن.

والخلاصة أن نمط التعليم وتغلغل التصوف والجمود الثقافي قد جعل من الصعب على الأدباء أن يبرزوا أو يجدوا لهم مكانا في الجزائر غداة الاحتلال؛ ثم كان الاحتلال نفسه (ضغثا على إبالة)، كما يقول القدماء. فقد شرب التعليم ضربة قاضية على إثر مصادرة الأوقاف (الأحباس)، فأغلقت المدارس وتوقفت حلقات الدروس الحرة فى المساجد، وهاجر العلماء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015