وقبل وفاته بحوالي سنة زار كارل ماركس الجزائر زيارة قصيرة. ولم تكن الزيارة للاطلاع على آثار الاستعمار أو إذا شئت آثار التمدين الفرنسي فيها، وإنما جاء للعلاج من مرضه ووحدته، بعد وفاة زوجه وابنته. ولذلك خاب ظن كل من كان يرغب في حكم ماركس على الاستعمار عن كثب. فقد كانت الجزائر نموذجا لتكالب رأس المال والاستغلال والاستيطان في ذلك الوقت، وكان الشعب الأهلي مسحوقا لا حراك له ولا صوت. ومنذ وضع ماركس قدمه في مدينة الجزائر في 20 فبراير 1882 لم يغادرها وظل حبيس جدرانها، وزادته رداءة الطقس انحباسا في مكانه. ونزل في فندق الشرق ثم تحول منه إلى فندق فيكتوريا العائلي (بنسيون). وكان قد جاء من مرسيليا على ظهر باخرة اسمها (سعيد). ووجد بريده عند صديق له يدعى فيرمي Ferme، وكان فيرمي ممن شملهم النفي من فرنسا باعتباره من المعارضة، وقد أصبح قاضيا في إحدى المحاكم المدنية بالجزائر. وهو الذي قدم لماركس تفاصيل عن الاستعمار الفرنسي. يقول عنها بوسكي إنها تفاصيل غير باهرة.
ولم نعرف عن هذه التفاصيل السوداء من مقالة بوسكي إلا القليل جدا. فقد كتب عنها كارل ماركس إلى أنجلز، وأخبره أن الشرطة الفرنسية كانت تعذب الجزائريين لتحصل منهم على ما ترغب فيه من المعلومات. وكانت العدالة تغمض عينيها على أنها لا تعرف. وإذا ارتكب العرب بعض الجرائم في الدماء وعوقبوا عليها بالإعدام، فإن ذلك لا يكفي لإشباع حقد الكولون بل إنهم كانوا يشترطون ملاحقة آخرين يصل عددهم إلى حوالي ستة على الأقل من العرب الأبرياء، فيعاقبونهم بدورهم. حقيقة أن محاكم الاستئناف كانت تعارض ذلك، حسب رواية ماركس، ولكن القضاة في المناطق النائية خاضعون لضغوط قوية جدا. ومع ذلك حكم ماركس بأن الإنكليز والهولنديين قد فاقوا الفرنسيين فى الجبروت والقسوة الدموية.