الحين. فالجزائر المتميزة عن الشرق أو الجزائر (الفرنسية) لم تظهر بعد في التصورات الفرنسية. ولذلك يمكننا القول إن انطلاقة الاستشراق الفرنسي كانت عامة في هذه المرحلة. ولعل الميزة الوحيدة لها كونها تستعمل العامية الجزائرية كأداة اتصال وليس الفصحى أو اللهجات العربية المشرقية. ومما يدل على عدم وجود لهجة جزائرية في مدرسة اللغات الشرقية قبل الاحتلال أن (البيان) الذي أشرنا إليه قد كتب بعربية مطعمة بعامية المشرق وليس بعامية المغرب، وهو كما قلنا من صياغة دي ساسي.
وقبل أن نستعرض تطور الدراسات الاستشراقية نود أن نذكر المراحل التي مرت بها، وهي ثلاثة على الأقل. المرحلة الأولى من الاحتلال إلى إنشاء المدارس العليا سنة 1879، والثانية من هذا التاريخ إلى الاحتفال المئوي بالاحتلال، سنة 1930، والمرحلة الثالثة منذ هذا التاريخ إلى الاستقلال، سنة 1962. وتهمنا هنا المرحلتان الأوليان بالخصوص.
وقد تميزت المرحلة الأولى بجهاز ترجمة قوي على يد العسكريين في معظم الأحيان، وهناك مترجمون إداريون وآخرون قضائيون أيضا (?). وقد نتج عن أعمال هؤلاء وأولئك أكداس من النصوص والعرائض والوثائق، واشتغل المترجمون/ المستشرقون في اللجان العلمية والجمعيات المتخصصة. ونشروا أبحاثهم في شكلها العام والبسيط للتعريف بالشعب المحتل في مختلف عصوره ومظاهره. وكانت حلقات (كراسي) اللغة العربية، وعددها ستة، تسند هذه الفرق العاملة في الميدان. كما أن أساتذة الكراسي كانوا هم الرواد لحركة الاستشراق في هذه المرحلة. فقد كانوا هم أيضا يعلمون اللغة، ويشرفون على امتحانات الترجمة، ويترجمون النصوص، ويعرفون بالمدن والآثار والمخطوطات والسير، وفيهم من أصدر القواميس. وأثناء هذه المرحلة زار الجزائر عدد من الأدباء والمفكرين والفنانين الفرنسيين المهتمين بحياة الشرق، وكانت زياراتهم بدعم وتشجيع