والآراء الشخصية والمدنية، وكانت الإدارة تدعم هجمة المستوطنين في إلغاء رغبات الجزائريين ودفعهم إلى الهجرة أو إلى الصحراء والكبت الرهيب، وكانت وسيلتهم في ذلك هي المحاكم التي تولاها القضاة الفرنسيون فقط، ولم يبق فيها صوت للقضاة المسلمين، وكان هدف القضاة الفرنسيين الذين كانوا من المستوطنين أنفسهم، هو نزع الأسلحة من الجزائريين وتجريدهم من الأرض وقمعهم وإرهابهم بدعوى أنهم لصوص ومجرمون لا يفكرون إلا في النهب والثورة، ولذلك سنت المحاكم أيضا المسؤولية الجماعية في الدواوير، فالفرد وحده لا يعنيهم إذا ارتكبت جريمة أو وقع حريق، بل كل سكان المكان كلهم مسؤولون، وقد تضاعفت وسائل الضغط باستعمال كلمات خاصة ضد الجزائريين في المحاكم والصحف، مثل اللصوص، والقتلة والفلاقة، ولذلك زيد في عدد الشرطة والدرك والأعوان من هذا النوع كالجواسيس (?). وأمام ذلك وجد القضاة المسلمون أنفسهم عاجزين، وقد اعتدى الفرنسيون على اختصاصاتهم، كما نقص عددهم وانحطت قيمتهم. ولذلك ظهرت حركة احتجاج واسعة سنذكرها.
6 - من اختراعات هذه الفترة أيضا تغيير الحالة المدنية، كان الجزائريون قبل عقد الثمانينات يدعون بأسماء آبائهم وأجدادهم، وينسب الإنسان إلى قبيلته أو عائلته أو عرشه، فيقال فلان بن فلان من أولاد كذا أو من بني فلان، والمرأة هي فلانة بنت فلان، الخ .. وفي هذا النظام تحافظ العائلات على أنسابها وتواصل أعقابها، وتعرف كل قبيلة مكانها وأصلها، ولو تفرقت فروعها وتباعدت، وتعرف كل طبقة مكانتها في المجتمع، فهناك الحضر والبرانية وأهل البادية أو العرب، وهناك أهل الصنائع والحرف والعلم والتجارة، أما الريف ففيه الأجواد (أو الذواودة في بعض المناطق). والمرابطون، والفلاحون، والجبالة، والبدو، والرحالة، وداخل هذا النسيج الاجتماعي هناك الأغنياء والفقراء والمتوسطون، وبين الجميع علاقات محددة تحفظ للمجتمع قيمه وأصوله وخصائصه.