وبتطور الحياة، وتجدد مطالبها، تطورت الأعراف والعادات، وارتقت ضوابط السلوك فيها، وأخذت طابعا إلزاميا في حياة الناس، يحتكمون إليه فيما بينهم.
وكلما ارتقت الجماعة البشرية في حياة أمة من الأمم، ارتقت معها أفكارها، وسنَّت لها من الأنظمة ما يحقق أمنها ورخاءها، ومثل هذه الأنظمة هو ما يسمى بالقانون.
معنى القانون:
فالقانون -إذًا- يُطلق على مجموعة القواعد والمبادئ والأنظمة التي يضعها أهل الرأي في أمة من الأمم؛ لتنظيم شئون الحياة الاجتماعية والاقتصادية؛ استجابة لمتطلبات الجماعة، وسدًّا لحاجاتها. وهو تعبير عن واقعها، يبين مدى ما وصلت إليه من رقي، وما أحرزته من تقدم، وبقدر ما تستفيد الأمة من تجارب بقدر ما تصحح من أخطاء قانونها، وتعمل على تغييره وتطويره، حتى يكون ملائما لطبيعة حياتها.
والقانون بهذا المعنى يختلف في كل أمة عن أختها؛ لاختلاف حياة الأمم في العادات والتقاليد والأعراف، واختلافها في درجات العلم والمعرفة، فالقانون الذي يصلح لأمة قد لا يصلح لأخرى، والذي يصلح لعصر لا يصلح لآخر، وقلما نجد في القوانين الوضعية توافقا في بلدين مختلفين بيئةً وعادةً وفكرًا.
ولا اعتبار في القانون للفضائل الأخلاقية التي توقظ الضمير الإنساني، وتربي فيه عواطف الخير، وتحفزه إلى مراعاة الحقوق الأدبية والتقيد بالتزاماتها.
كما أنه لا اعتبار فيه للعقيدة الدينية التي تصل العبد بخالقه، وتحدد علاقته بربه، وتبين أصل نشأته، ومصيره في الدار الآخرة.
ومثل هذه القوانين قد يسميها الناس -تجاوزا- بالشرائع الوضعية.
وكلمة "القانون" يونانية الأصل، كانت تستعمل بمعنى "القاعدة"، ودخلت إلى اللغة العربية، فاستعملت للدلالة على مقياس كل شيء، ولم يستعملها علماء