كانت حياة أحمد في عصر استقرت فيه الأمور للدولة العباسية، بعد أن قلمت أظافر خصومها من:الخوارج، والعلويين على السواء. إلا أن بوادر التنافس بين العباسيين أنفسهم، قد بدأت تطل في فتنة الأمين والمأمون، التي انتهت بغلبة المأمون معتمدا على جيش فارس، ومنذ ذلك الحين أخذ الضعف يتسرب إلى الدولة باعتماد الخلفاء في سلطانهم على الأعاجم، فإذا كان المأمون قد اعتمد على الفرس، قد اعتمد المعتصم على الترك من بعده، الذين أخذ نفوذهم يقوي حتى استبدوا بالأمر، واعتدوا على الخلفاء، وهتكوا حماهم، ثم انقسمت الدولة بعد ذلك انقساما شديدا.
وقد أدرك أحمد جانبا من هذا كله، فلم يحرض على فتنة، ولم ينتقد خليفة، وانصرف إلى حياته العلمية، ولكن حكم المأمون قد قارنه نفوذ علمي للمعتزلة؛ فلم يلتزم أحمد الصمت أمام بدعهم، وهو يرى انحرافهم في العقائد عن منهج السلف الصالح، بل حذر منهم، ونهى الناس عن مجالستهم.
وفي الوقت الذي ظهر يه الزنادقة الذين يريدون نقض الحكم الإسلامين وإحياء الحكم الفارسي، وكان المعتزلة في مقدمة من تصدي لهم، وسلكوا في جدالهم مسلك الفلاسفة في تفكيرهم، في هذا الوقت كان المحدثون والفقهاء يحتذون حذو الصحابة والتابعين في الاستدلال على العقائد، والوقوف عند فهم نصوص الكتاب والسنة، ولكن المأمون ومن وليه من الحكام أرادوا حمل العلماء على بعض آراء المعتزلة، مما أدى إلى وقوعهم في خصومة مع الفقهاء المحدثين.
وقد نضج الفقه في عصر أحمد، واستقامت طرائقه، والتقت فيه ثمرات جهود فقهاء الأمصار جميعا من: عراقيين، وشاميين، وحجازين، ووجد أحمد ثروة فقهية