ومن عنده إلمام قليل بتاريخ العرب وأدب لغتهم يدرك العوامل السابقة لبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم التي رقت بلغة العرب، وهذبت لسانها، وجمعت خير ما في لهجاتها من أسواق الأدب والمفاخرة بالشعر والنثر، حتى انتهى مصب جداول الفصاحة وإدارة الكلام بالبيان في لغة قريش التي نزل بها القرآن، وما كان عليه العرب من صلف، يعلو بأحدهم على أبناء عمومته أنفا وكبرا، مضرب مثل في التاريخ الذي سجل لهم أياما نسبت إليهم؛ لما أحدثوه فيها من معارك دامية، وحروب طاحنة أشعلها شرر من الكبرياء والأنفة..

ومثل هؤلاء مع توافر دواعي اللسان وقوة البيان التي يوقدها حماس القبيلة، ويؤججها أتون الحمية، لو تسنى لهم معارضة القرآن الكريم لأثر هذا عنهم، وتطاير خبره في الأجيال، فالقوم قد تصفحوا آيات الكتاب، وقلبوها على وجوه ما نبغوا فيه من شعر ونثر، فلم يجدوا مسلكا لمحاكاته، أو منفذا لمعارضته، بل جرى على ألسنتهم الحق الذي أخرسهم عفو الخاطر عندما زلزلت آيات القرآن قلوبهم، كما أثر ذلك عن الوليد بن المغيرة، وعندما عجزت حيلتهم رموه بقول باهت فقالوا: سحر يؤثر، أو شاعر مجنون، أو أساطير الأولين. ولم يكن لهم بد أمام العجز والمكابرة إلا أن يعرضوا رقابهم للسيوف، فاستسلموا للموت الزؤام، وبهذا ثبت إعجاز القرآن.

وعَجْز العرب عن معارضة القرآن مع توافر الدواعي عَجْز للغة العربية في ريعان شبابها وعنفوان قوتها.

والإعجاز لسائر الأمم على مر العصور يظل ولا يزال في موقف التحدي شامخ الأنف، فأسرار الكون التي يكشف عنها العلم الحديث ما هي إلا مظاهر للحقيقة العليا التي ينطوي عليها سر هذا الوجود في خالقه ومدبره، وهو ما أجمله القرآن او أشار إليه, فصار القرآن بهذا معجزا للإنسانية كافة، بكل ما يحمله لفظ الإعجاز من معنى.

فهو معجز في ألفاظه وأسلوبه، والحرف الواحد منه في موضعه من الإعجاز

طور بواسطة نورين ميديا © 2015