الفصاحة والبيان، فظهر عجزهم، وبهذا قامت الحجة عليهم {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 1، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 2، {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} 3. {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ، فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِين} 4.
وحيث كانت البشرية في أطوار نموها الأولى لا يبهرها شيء كما تبهرها الخوارق الكونية الحسية التي لا مجال فيها للتفكير والنظر ناسب هذا أن يبعث كل رسول إلى قومه خاصة، وأن تكون معجزته فيما نبغ فيه قومه، خارقة لما ألفوه؛ ليتحقق بعجزهم عنها إيمانهم بأنها من قوة سماوية عليا فوق طاقة البشر.
وظل الناس يستفيدون برسالات الله التي أخذت بأيديهم إلى مدارج الرقي، ووطأت الأكناف لختم النبوة حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخالدة إلى الناس كافة، وكانت معجزتها معجزة العقل البشري في أرقى تطورات نضجه ونموه. فحيث كان تأييد الله لرسله السابقين بآيات كونية تبهر الأبصار ولا سبيل للعقل في معارضتها، كمعجزة اليد والعصا لموسى، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله لعيسى، كانت معجزة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر مشرف على العلم معجزةً علميةً تحير العقل البشري وتتحداه إلى الأبد، وهي معجزة القرآن بعلومه ومعارفه، وأخباره الماضية والمستقبلة، فالعقل الإنساني على تقدمه لا يعجز عن معارضته؛ لأنه آية كونية لا قبل له بها، ولكن عجزه لقصوره الذاتي، فيكون هذا اعترافا منه بأنه وحي الله إلى رسوله، وان حاجته إلى الاهتداء له ماسة؛ ليستقيم عوجه وترقى مواهبه. ويهتدي إلى سبيل الرشاد، وهذا المعنى هو ما يشير إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله من آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا". رواه البخاري ومسلم.