للذب عن حياض السنة وصيانتها واستلزم هذا التفكير في تدوين الحديث حفظا له من الضياع، وخوفا عليه من الزيادة أو النقص.

وأول من فكر في جمع الحديث وتدوينه كما تذكر الروايات، عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه من التابعين، فإنه كتب إلى عامله وقاضيه على المدينة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه؛ فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء.

ولم يكتف عمر بن عبد العزيز بالكتابة إلى ابن حزم، فقد روى أنه كتب إلى أهل الآفاق: انظروا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه.

ومع هذا فإن الجهد الأكبر في تدوين الحديث يرجع إلى الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، الذي ذكر مسلم أن له تسعين حديثا لا يرويها غيره، وقال فيه كثير من علماء عصره: لولا الزهري لضاع كثير من السنة.

ولم يكن تدوين الحديث في هذ العصر مبوبا على أبواب العلم كما صنع البخاري ومسلم وغيرهما من رجال الحديث؛ ولكنه كان جمعا للأحاديث من غير تبويب، ثم شاع التدوين بعد الزهري على أنماط مختلفة كان أكثرها يجمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلطا بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين، إلى أن قام أئمة الحديث بتآليفهم العظيمة على طريقة المسانيد، ثم على طريقة التبويب.

قال ابن حجر: وأول من جمع ذلك الربيع بن صبيح المتوفى سنة 160هـ. وسعيد ابن أبي عروبة المتوفى "سنة 156هـ" إلى أن انتهى الأمر إلى كبار الطبقة الثالثة، وصنف الإمام مالك الموطأ بالمدينة، وعبد الملك بن جريح بمكة، والأوزاعي بالشام، وسفيان الثوري بالكوفة، وحماد بن سلمة بن دينار بالبصرة1. ثم تلاهم كثير من الأئمة في التصنيف، كل على حسب ما سنح له

طور بواسطة نورين ميديا © 2015