وبإزاء هذا كله، كانت بقايا اليهودية متناثرة في بعض الأماكن، بشمال الجزيرة العربية وفي داخلها بـ "يثرب"، ولهؤلاء كذلك عقائدهم وموروثاتهم الدينية.
وأما العرب فقد كان أكثرهم من البدو الرحل الذين يعيشون في الصحراء، يربطهم نظام القبيلة بأعرافه الاجتماعية، وعادته التقليدية، ويحكمهم رؤساء القبائل الذين يفصلون في الخصومات ولهم سلطة الأمر والنهي عليهم، ولم يخلُ نظام القبيلة من بعض النظم الاجتماعية التي كانت سائدة أنذاك، كنظام الأسرة في الزواج، والقصاص في القتل.
وأقام بعضهم في المدن كمكة، ويثرب، والطائف، وباشروا الزراعة، وامتهنوا بعض الصناعات، وهذا من شأنه أن يقيم قواعد للمعاملات المالية والعلاقات التجارية. وساعد على هذا أسواقهم الكبرى، واجتماعهم في الحج، واشتهرت قريش في مكة بالتجارة، وكان لها علاقة تجارية مستمرة بسوريا "الرومانية"، والعراق "الساساني"، وباليمن في رحلتي الشتاء والصيف.
ولم يكن العرب في معزل عن الثقافات المحيطة بهم، بل إن النزاع الدائم بين الفرس والروم أدى إلى استفادة كل من الجانبين بالعرب، حتى يكونوا ردءا لصد غارات البدو عليهم. فأسس الفرس إمارة الحيرة على نهر الفرات، وأمروا عليها عمرو بن عدي، كما كون الغساسنة إمارة لهم في الشام. وكان آخر ملوك الحيرة النعمان بن المنذر الخامس، زوج هند، وهو الملقب بأبي قابوس، وصاحب النابغة الذبياني، وقد غضب عليه كسرى فحبسه حتى مات حوالي سنة 602 م.
وكان آخر ملوك الغساسنة جبلة بن الأيهم سنة 614م، ولما فتح المسلمون الشام أسلم جبلة وقدم المدينة، وأحسن عمر نزله، ولكنه لطم رجلا من بني فزارة، فنابذه وطلب إلى عمر القصاص، فأخذته العزة بالإثم، فقال له عمر: لا بد أن أقيدك، فهرب إلى قيصر، ولم يزل بالقسطنطينية حتى مات سنة 20هـ.
وقد تأثر عرب الحيرة بثقافة الفرس، كما تأثر الغسانيون بثقافة اليونان والديانة الرومية، وهؤلاء وأولئك كانوا على صلة بالعرب في قلب الجزيرة العربية.