جاء عمر رضي الله عنه بعد أبي بكر، وواصلت جيوش المسلمين زحفها، ففتحت بلاد فارس، والشام ومصر، من بلاد الروم، وكثرت الغنائم، وواجه عمر مشكلات جديدة في إرسال الجيوش، وإمدادها، وتنظيم الجند، وحكم البلاد التي تفتح بحكم الله، وكلما أمعن المسلمون في الغزو وأبعدوا في الأرض كلما كثرت المشكلات.
وقد وفق عمر إلى حل هذه المشكلات وتدبير أمور الدولة في حكم الأقطار البعيدة عنه والقريبة منه توفيقا معدوم النظير، وظلت حياة المسلمين مستقيمة في حياة عمر استقامتها في حياة أبي بكر، كلاهما ساس الناس كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوسهم أثناء حياته، والتزم عمر القرآن وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة أبي بكر، ومشورة الصحابة، في حل ما عرض له من المشكلات التي نشأت عن الفتوح، واتساع الدولة، وانتشار الجيوش، وكثرة الغنائم والفيء وتنظيم أمور الأرض التي ظهر عليها المسلمون في البلاد المفتوحة، فكان كلما عرضت له مشكلة التمس حلها في كتاب الله، فإن لم يجد ففي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجد ففي سيرة أبي بكر، فإن لم يجد دعا أولى الرأي من المهاجرين والأنصار، فشاورهم حتى يجد الحل للمشكلة، أو المشكلات التي عرضت له.
وولى أمور المسلمين بعد عمر عثمان رضي الله عنه، فاستقامت له الأمور أعواما. ومضت جيوش المسلمين في الفتح شرقا وغربا، ولكن كرم خلقه، ولين طبعه، ورقة عاطفته - لكن ذلك- أغرى قوما من قريش عامة، ومن بني أمية رهطه خاصة في الحصول على مظاهر الغنى والجاه من ورائه، حتى طمعوا فيه، واستأثروا بكثير من أمره، فلم يلبث أن ضعفت مقاومته للطامعين، وفشت قالة السوء، وانتشرت الفتنة في الأقاليم والأمصار، وحضر الجنود من البصرة، والكوفة، ومصر، يضجون بالشكوى إلى أن انتهت ثائرتهم بقتل الخليفة في وضح النهار.