أحوال عباده، وما يصلح معاشهم ومعادهم، وما يحقق لهم الخير في دنياهم وأخراهم {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} 1، وهو سبحانه منزه عما يعتري الخلق من القصور والنقص {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} 2. وقد بنيت الشريعة الإسلامية الأصول الكلية التي تقوم عليها حياة البشر، ولا سبيل إلى الأخذ فيها بالرأي المجرد عن الدليل، والنبي صلى الله عليه وسلم مع عصمته لا يتبع إلا الوحي {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيّ} 3، ولا يكون حكمه إلا بما علم عن الله {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّه} 4، وانتزاع التشريع من أيدي البشر، ورده إلى الله ورسوله يضع لنا شريعة ربانية ثابتة المقياس لا يعتريها خلل أو قصور.

3- والقانون الوضعي نظام محدود القواعد، يلبي حاجة الجماعة لتنظيم حياتهم الحاضرة، ويتطور بتطورها، نشأ بادئ ذي بَدء في نظام الأسرة، ثم في نظام القبيلة، ولم يتحول إلى نظريات علمية إلا في القرن التاسع عشر.

والتشريع السماوي -بعامة- يولد متكاملًا وافيًا بمطالب الحياة، محكم النسيج، صافي المورد.

4- وقواعد القانون الوضعي مؤقتة لجماعة خاصة في عصر معين، فهي في حاجة إلى التغيير كلما تطورت الجماعة وتجددت مطالبها.

وقواعد الشريعة الإسلامية -بصفة خاصة- لم تأت لقوم دون قوم، أو لعصر دون عصر، ولكنها قواعد كلية ثابتة مستقرة، تسد حاجة الجماعة وترفع مستواها في كل عصر، وقد مر على الشريعة الإسلامية زهاء أربعة عشر قرنا من الزمان، تغيرت فيها أوضاع الجماعات، واندثرت فيها مئات القوانين والأنظمة، وانقلبت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015