من الأيام في نفوذه إلى البريّة يقصد دير القصير ويشاهد عمارته، ويستحثّ الصّنّاع على الفراغ منه، وأطلق له دنانير تصرف في النفقة عليه، ودفع أيضا إلى الرهبان المقيمين فيه دنانير، ورسم لهم مساعدة البنّائين لتروج عمارته، وكان يعدل أيضا إلى ديارات جدّدها اليعاقبة في ناحية القرافة، وإذا أراد الدخول إلى الجبل والطلوع إلى دير القصير أو غيره من الدّيارات تتأخّر الركابية عنه في الموضع المعروف بالقرافة وإلى الساقية، ويمضي وحده.
وفي بعض الأيام جرى في ذلك على سالف عادته وتبعه صبيّ ركابيّ كان اصطنعه، يعرف بالقرافيّ، وأبعدا جميعا في الجبل، فلقيه سبع (?) نفر من البادية، والتمسوا منه صلة بجفاء في القول وغلظ في اللفظ، وفرية وشتيمة، فقال لهم: ما معي في هذا الموضع ما أدفعه لكم، لكنّني أنفذكم إلى متولّي بيت المال العميد المحسن ابن بدواس (?) ليدفع إليكم خمسة آلاف درهم.
فقالوا: ما نمضي إليه لأنه لا يدفع لنا شيئا، وتردّد الخطاب بينهم وبينه،
فالتمسوا منه أن ينفذ معهم القرافيّ الركابيّ لينجز لهم المطلق، وسار مع القرافيّ أربعة نفر منهم، وتخلف الثلاثة الباقون في الطريق، وقبض (?) /132 ب/أولئك الأربعة الجملة التي رسم دفعها لهم، وعاد القرافيّ يلتمس الحاكم، فأبطأ عليه عودته، فلمّا طال انتظاره له في الموضع الذي جرت عادته بموافاته إليه ساء ظنّه، ودار الجبل يطلبه، فألقى (?) سايحا (?) وسأله عنه، وذكر له صفته وصفة الحمار الذي هو راكبه، فأعلمه أنه شاهد في طريقه حمارا معرقبا، وساقه إلى الموضع حتى شاهد الحمار الذي كان معرقبا كما ذكر له.