وتقع الهيبة بقلوبهم بحضوره، فكان الأمر بالضدّ من ذلك، وجعل العيّارون (?) وأهل العيث الفتنة معيشة لهم، ولم يكن أحد يملك نفسا (?) ولا شيئا من ماله معهم.
ولمّا تزايدت الحال في الفتن ببغداد وتفاقمت (?)، دعت الضّرورة إلى أن طرح السلطان النّار في الجانب الغربي من البلد [يوم السبت لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة 362] (?) وأحرق باب البصرة وما يليه من حدّ بركة زلزل إلى السمّاكين، ومنع الناس من إطفائها، وأخذت يمينا وشمالا، واحترق عالم من الرجال والنساء والصبيان والبهائم، وكان أمرا فظيعا (?)، ولم ير مثله ولا سمع به. وانتقل الناس من الجانب الغربي من المدينة إلى الجانب الشرقي منها، لأنّه كان ساكنا والغربيّ مفتتنا. ثمّ أخذ السلطان ثمانية عشر رجلا من العيّارين وأهل الفتنة، وقتل أربعة نفر (?) منهم، وأعطى من بقي منهم الأمان ووعدهم بالرزق، وكفّ البلاء قليلا، وسكنت الفتنة.
ولحق عزّ الدولة إضاقة بالمال (?)، وطالبته الأولياء والجند بأرزاقهم، فسأل المطيع لله إسعافه، وكان أيضا مضيّقا، وتقرّر الحال بينهما على أن يحمل إليه أربعمائة وعشرين ألف (?) درهم، فباع شيئا من كسوته وآلات من دار خلافته، حتى قام له بذلك. وتراقى الأمر بعزّ الدولة إلى أن صادر أهل الذّمّة وأهل الملّة من العدول والتجّار والمتصرفين (?).