أنشدنا لنفسه:

أسيرُ الخطايا عند بابِك واقفُ ... عَلَى وَجَل ممّا بِهِ أنتَ عارفُ.

يخافُ ذُنُوبًا لم يغبْ عنك غَيْبُها ... ويرجوك فيها فهو راجٍ وخائفُ.

ومن ذا لذي يرجو سِواك ويتقي ... ومالك في فصلِ القضاء مُخالفُ.

فيا سَيدي، لا تُخزِني في صحيفتي ... إذا نُشرتْ يوم الحساب الصحائفُ

وكُن مؤنسي في ظُلمة القبر عندما ... يصدُّ ذَوُو ودّي ويجفو المُوالِفُ.

لئن ضاق عنّي عَفْوكَ الواسع الّذي ... أرَجَّى لإسرافي فإنيّ لتالفُ1.

وقال أبو مروان بن حيان: وممن قُتل يوم فتح قُرطبة الفقيه الأديب الفصيح ابن الفَرَضيّ، ورؤي متغّيرًا من غير غسلٍ ولا كَفَن ولا صلاة. ولم يُر مثله بقُرطبة في سعة الرواية، وحِفظ الحديث، ومعرفة الرجال، والافتتان في العلوم والأدب البارع.

ووُلِد سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، وحجّ سنة اثنتين وثمانين. وجمعَ من الكُتُب أكثر ما جمعَه أحدٌ من علماء البلد.

وتقلد قراءة الكُتب بعهد العامريّة. واستقضاه محمد المهديّ ببلِنْسيَة وكان حسَن البلاغة والخطّ.

وقال الحُميدي: ثنا عليّ بْن أحمد الحافظ: أخبرني أبو الوليد بْن الفَرَضيّ قَالَ: تعلقتُ بأستار الكعبة، وسألت الله الشّهادة، ثمّ انحرفتُ وفكرتُ في هَوْل القتْلِ، فندمتُ، وهممتُ أن أرجعُ، فأستقيل الله ذَلِكَ، فاستحْيَيتُ.

قَالَ الحافظ أبو محمد بْن حزْم: فأخبرني من رآه بين القتلي ودَنَا منه فسمعه يَقُولُ بصوتٍ ضعيف: "لا يَكْلَم أحدُ في سبيل الله، والله أعلم بمن يَكْلَم في سبيله إلا جاء يَوْمَ الْقِيَامَةِ وجُرحه يثعبُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدّم، والرّيح رِيح المِسك" 2 كأنه يُعيد عَلَى نفسه الحديث الوارد في ذَلِكَ.

قَالَ: ثمّ قضي على إثر ذلك رحمه الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015