عين السّامع، وسرَّ المسلم بهذا الفتح العظيم الجامع، ولله الحمد عَلَى إعلاء كلمة الإسلام، وله الشُّكر عَلَى إقامة هذا السّلطان الهُمام.
وبعد الأربعمائة كَانَ قد غلب عَلَى بلاد ما وراء النّهر أيلك خان أخو صاحب التُرك طُغَان الكبير، وهما مهادنان للسّلطان يمين الدّولة محمود بْن سُبُكْتكين، فقويت نفوسهما عَليْهِ مكُرًا وراوغًا، وبقي كلّ واحدٍ منهما يُحيل عَلَى الآخر. فبعثوا رُسُلهم، فأكرم الرُّسُلَ، وأظهر الزّينة، وعرضَ جيشه.
قال أبو النصر محمود بْن عَبْد الجبّار: فأمر بتعبئة جيوشه وتغشية فيوله، ورتَّب العسكر سِماطين في هيئة، لو رآها قارون قَالَ: يا ليت لي مثل ما أوتي محمود. فصفّ نحو ألفي غلام تُرك في ألوان الثياب، ونحو خمسمائة غلام بقُربه بمناطق الذَّهب المرصّعة بالجواهر، وبين أيديهم أربعون فيلًا من عظام الأفيلة بغواشي الديباج. ووراء السماطين سبعمائة فيل في تجافيف مشهرة الألوان، وعامّة الجيش في سرابيل قد كدت القيون وردت العيون، وأمامهم الرجال بالعُدد، وقام في القلب كالبدر في ظُلمة الدّيجور. وأذِن للرُسُل حينئذٍ، ثمّ عُدل بهم إلى الموائد في دارٍ مفروشة بما لم يُحك عَنْ غير الجنّة. ففي كلّ مجلس دُسُوت من الذَّهب من جِفانٍ وأطباق، فيها الأواني الفائقة والآلات الرائقة، وهّيأ لخاصّ مجلسه طارم قد جُمِعَتْ ألواحه وعضادته بضباب الذَّهب وصفائحه وفُرِش بأنواع الدّيباج المذهَّب، وفيه كُوات مضلَّعة، تشتمل عَلَى أنواع الجواهر الّتي أَعْيَتُ أمثالها أكاسرة العجم، وقياصرة الروم، وملوك الهند، وأقيال العرب. وحوالي المجلس أطباق تخان من الذَّهب، مملوءة من المِسْك والعنبر والعود، وأواني لم يُسمع بمثلها. ثمّ جهّز الرُّسُل.
ووقع بين الأخوين، وتنافرا مدّة لسعادة الإسلام وسلطانه يمين الدّولة.
وكان عَلَى مملكة خوارزم الملك مأمون بْن مأمون، قد وليها بعد أخيه عليّ، فزوّجه السّلطان محمود بأخته، ثمّ طلب منه أن يذكر اسمه في الخطبة معه، فأجابَ. وامتنع من الإجابة نائبه وكُبراء دولته ولاموه. ثمّ إنّهم قتلوه غيلةً، فغضب السّلطان وسار بجيوشه لحربهم، فالتقاهم بظاهر خوارزم وظفر بهم، فسمر جماعةً من الأمراء، واستناب على خوارزم حاجبه الكبير الْتُونْتاش. وصفَت لَهُ مملكة خُراسان، وسجِسْتان، وغَزنة، وخوارزم، والغور. وافتتح نصف إقليم الهند. في عدّة غزوات وكانت سلطنته بضْعًا وثلاثين سنة كما سيأتي في ترجمته1.