فأعطانيها، قَالَ: فجعلت إذا غلبني الْجُوع ووجدت قومًا من الحاجّ يأكلون، وقفت أنظر إليهم، فيدعون إليّ كسرةً فأقتنع بها، وأحرمت فِي العباءة، ورجعت إلى بغداد، وكان الخليفة قد حرم جارية وأراد إخراجها من الدار، قَالَ أَبُو مُحَمَّد السُّنّي: فَقَالَ الخليفة: أطلبوا رجلا مستورًا يصلحُ، فَقَالَ بعضهم: قد جاء ابن سمعون من الحج، فاستصوب الخليفة قوله، فزوَّجه بها، فكان ابن سمعون يجلس عَلَى الكرسي فيعِظ ويقول: خرجت حاجًا، ويشرح حاله، وها أنا اليوم عليّ من الثياب ما ترون.
قَالَ البَرْقَاني: قلت لَهُ يومًا: تدعو الناس إلى الزُّهْد وتلبس أحسن الثياب، وتأكل أطيب الطعام، فكيف هذا؟ فَقَالَ: كل ما يُصْلِحُك لله فافعله إذا صلُح حالك مَعَ اللَّه.
قَالَ الخلال: قَالَ لي ابن سمعون: ما اسمك؟ قلت: حسن. قَالَ: أعطاك اللَّه الْأسمَ، فَسَلْه الحُسْنَى.
وجرت لابن سمعون حكاية فِي سنة بضع وستين وثلاثمائة، رواها قاضي المارستان عَنِ القُضَاعي بالإجازة، قَالَ: ثنا عَلِيّ بْن نصر الصبّاح، ثنا أَبُو الثناء شكر العَضُدي، قَالَ: لما دخل عَضُدُ الدولة بغدادَ، وقد هلك أهلها قتْلا وخوفًا وجوعًا، لِلفِتَن التي اتّصلت فيها بين الشيعة والسُّنّة، فَقَالَ: آفَةُ هَؤُلاءِ القصَّاص، فنادى: لا يقصّ أحد فِي الجامع ولا الطُّرَف ولا يتوسَل بأحد من الصّحابة، ومن أحبَّ التوسُّل قرأ القرآن، فمن خالف فقد أباح دَمَه، فوقع فِي الخبر أنّ ابن سمعون جلس عَلَى كرسيّه بجامع المنصور، فأمرني أن أطلبه، فأُحْضِر، فدخل عليّ رَجُل لَهُ هيئة وعليه نور، فلم أملك أن قمت إِلَيْهِ، وأجلسته إلى جنبي، فجلس غير مكترث، فقلت: إنّ هذا الملك جبّار عظيم، وما أُؤثِر لك مخالفة أمره، وإني مُوَصِّلُك إِلَيْهِ، فقبِّلِ الْأرض وتلطف لَهُ، واستعن باللَّه عَلَيْهِ، فَقَالَ: الخلق والأمر لله، فمضيت بِهِ إلى حجرة، وقد جلس فيها وحده، فأوقفته، ثم دخلت لاستأذن، فإذا هُوَ إلى جانبي قد حوّل وجهه إلى نحو دار فخر الدولة، ثم استفتح وقرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود: 102] قَالَ: ثم حوَّل وجهه، وقرأ: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 14] فأتى بالعجب، ففتح عين الملك، وما رَأَيْت ذَلِكَ منه قطّ، وترك كُمَّه عَلَى وجهه، فلما خرج أَبُو الْحُسَيْن قَالَ الملك: اذهب إِلَيْهِ بثلاثة آلاف درهم، وعشرة أثواب من الخزانة، فإن امتنع فقل لَهُ: فرِّقها فِي أصحابك، وإن قبلها، فجئني برأسه، ففعلت، فَقَالَ: إن ثيابي هذه من