وأنزله المدينة وأحسن معونته، وجعل له معلومًا من دار الخراج، فكان يقبضه إلى أن مات، وقد كنَّى ولده محمدًا أبا ذَرّ، وهي كنية والده.

وقال أبو زكريا يحيى بن مَنْدَه الحافظ: سمعت مشايخنا ممّن يُعُتمد عليهم يقولون: أملى أبو القاسم الطّبراني حديث عِكّرمة في الرؤية، فأنكر عليه ابن طَبَاطَبَا العلويّ، ورماه بدواة كانت بين يديه، فلمَّا رأى الطبراني واجهه بكلام اختصرته، وقال في أثناء كلامه: ما تسكتون وتشتغلون بما أنتم فيه حتى لا نذكر ما جرى يوم الحَرَة، فلما سمع ذلك ابن طباطبا قام واعتذر إليه وندم.

وقال ابن مَنْده المذكور: وبلغني أنه كان حسن المشاهدة طيب المحاضرة، قرأ عليه يومًا أبو طاهر ابن لوقا حديث "كان يغسل حصى جماره " فصحَّفه وقال: " يغسل خُصى حماره "، فقال: وما أراد بذلك يا أبا طاهر؟ فقال: التواضع. وكان أبو طاهر هذا كالمغفّل. قال له الطبراني يومًا: أنت ولدي يا أبا طاهر، فقال: وإيّاك يا أبا القاسم، يعني: وأنت.

وقال ابن مَنْده: وجدت عن أحمد بن جعفر الفقيه، أنا أبو عمر بن عبد الوهاب السّلمي فقال: سمعت الطبراني يقول: لما قدم أبو علي بن رستم من فارس دخلت عليه، فدخل عليه بعض الكُتّاب، فصبَّ على رِجْله بخمسمائة درهم، فلمَّا خرج الكاتب قال لي أبو علي: ارفع هذا يا أبا القاسم، فرفعتها، فلمَّا دخلت أمّ عدنان صبّت على رِجْله خمسمائة، فقمت، فقال لي: إلى أين؟

فقلت: قمت لئلَّا يقول: جلست لهذا، فقال: ارفع هذه أيضًا، فلما كان آخر أمره تكلَّم في أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ببعض الشيء، فخرجت ولم أعد إليه بعد.

وقال أحمد بن جعفر الفقيه: سمعت أبا عبد الله بن حمدان، وأبا الحسن المَدِيني، وغيرهما، يقولون: سمعنا الطبراني يقول: هذا الكتاب روحي، يعني "المُعْجَم الأوسط".

وقال أبو الحسين ابن فارس اللغوي: سمعت الأستاذ ابن العميد يقول: ما كنت أظنّ أنّ في الدنيا حلاوة ألذّ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها، حتى شاهدت مذاكرة الطبراني، وأبي بكر الْجِعابي بحضرتي، فكان الطبراني يغلبه بكثرة حفظه، وكان الجعابي يغلب بفطنته وذكائه، حتى ارتفعت مراتبهما، ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه، فقال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي، فقال: هات، فقال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015